إيلي شلهوبيبدو الغرب (الإمبريالي المتوحش!) مصمّماً على وضع شعوب الأطراف (العالم ثالثية)، ونخبه، في اختبار متجدد لقياس مدى التزامها بمجموعة من المعايير (التي أصبحت عالمية)، في مقدمتها حقوق الإنسان وما تستتبعها من منظومة قيمية عنوانها الحرية في جميع أبعادها. قيمٌ بات واضحاً أنها أصبحت الحجج النظرية التي تلجأ إليها الدول الكبرى لتبرير إمعانها في فرض هيمنتها على العالم تحقيقاً لمصالح لا علاقة لها لا بالإنسان ولا بحقوقه. تتخذها ذريعة للتدخل في الحياة السياسية لبعض الدول ولقلب أنظمة أخرى.
مقاربة جديدة أفضل ما عبرت عنها الأدبيات السياسية الأميركية، وترافقت مع توجّه أممي، منذ عام 2005، عنوانه «مسؤولية الحماية» تفرض على المجتمع الدولي «واجب» استخدام القوة ضد نظام يعجز عن حماية مواطنيه من «الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية».
سبق أن طُبق المبدأ نفسه، وإن بذرائع معلنة تجاوزته، في عام 2003، عندما اجتاحت الجحافل الأميركية، بلا رعاية دولية، بلاد الرافدين، وأسقطت صدام حسين، ومعه التمثال الشهير في ساحة الفردوس في بغداد.
يومها قال أحدهم «لعن الله أميركا لأنها فرضت علينا أن نقف في خندق واحد مع صدام». لم يكن الرجل جاهلاً. أمضى حياته معارضاً لأعتى ديكتاتوريات العالم العربي. كان يدرك حجم المآسي التي سببها صدام لشعبه، وليس أقلها «الإبادة الجماعية» بحق الأكراد والشيعة. لكنه كان يعلم أن وراء «العقاب» أهدافاً أخرى، تبدأ من النفط ولا تنتهي بـ«تغيير معالم الشرق الأوسط».
مشهد يتكرّر اليوم، وإن بسياقات مختلفة ونتائج مغايرة، مع عمر البشير، الملاحق بتهم محقة من جانب المحكمة الجنائية الدولية، المكروهة من الغرب نفسه. اختبار جديد يدفع المواطن المقهور في هذا الشرق الحزين إلى المفاضلة بين إنسانيته وبين رفضه للهيمنة وتمسكه بالأوطان. تغلب على تفكيره الأطماع الغربية، التي يراها مؤججاً للنزاعات وسبباً لإثارة قضايا كهذه، يتساءل عن الدافع وراء حصرها في أشخاص بعينهم، رغم وجود عشرات المجرمين في سدة الحكم، يستمدون حصانتهم من العم سام الذي يرى أنّهم رجال دولة ودعاة سلام.
«سامح الله» أميركا لأنها جعلت حياة البشر بلا قيمة و«العدالة الدولية» انتقائية.