لقد عاد شارع الحمرا في بيروت وجواره إلى الصدارة. الأماكن التي على الموضة انزلقت إلى المقدسي: الذين بكوا على «المودكا» و«الويمبي»، ولم يعرفوا ربّما «الإكسبرس» وقبلها «الهورس شو»، يتوجّهون الآن إلى الـ«غرافيتي» والـ«كافيه روج» أو الـ«دو براغ». لم تعد الأجواء نفسها في تلك الأماكن الشبابيّة، هذا صحيح. المكان يجمع بين السناك والمطعم أحياناً، والبار ليلاً، والمقهى في سائر الأوقات... الزمن تغيّر يا صديقي. لن تستطيع أن تنظّر هنا ساعات طوالاً مكتفياً بفنجان قهوة يأتي به إليك غارسون أنيق بالقميص الأبيض والسترة السوداء والفوطة... وتتكلّم حتّى لا يعود يسمعك أصحابك ولا تعود تسمع نفسك. إذا كنت من المدرسة القديمة، عليك بالـ«كوستا» في الشارع الفوقاني، وإذا مضيت إلى آخره يكون الـ«ليناز» في انتظارك. لكن ننصحك، في ساعات معيّنة، بتفادي المدخل الرئيسي، وإلا وقعت في مصيدة الثقافة! ما دمنا في شارع الحمرا، ولعلّك تشعر بشيء من الجوع، فما رأيك أن نتوقّف عند مبنى «الستراند» حيث كانت السينما القديمة، لمن يذكرها من المخضرمين. بعدها مباشرة انعطافة صغيرة إلى اليمين، وها أنت في عالم لا يتوقّعه أحد هنا. بضع طاولات حولها كراس ألومنيوم خضراء مريحة، موزّعة في الزاروب الصغير. ستقرأ على الواجهة الحمراء المتاخمة: bread republic. أجل إنها «جمهوريّة الخبز»، واحة من الهدوء والسكينة في قلب الحمرا الصاخبة.
امرأة ثلاثينيّة تناقش جليسها بلكنة باريسيّة. على طاولة أخرى شاب «على الموضة» ربط شعره الطويل إلى الخلف، يقلّب في أعمال فنيّة. في الهواء الطلق تنتظر بهدوء أن تأتيك الصبيّة الباسمة، وتكلّمك بكل اللغات الممكنة... كأنّك في إحدى المدن المتوسّطيّة التي ما زالت تعرف كيف تتذوّق «العيش الهني». الأكل هنا صحّي، بسيط، مبتكر، مستوحى من تقاليد مختلفة. وعلى زجاج الواجهة شعار Slow food Beirut.
قائمة المأكولات تدور حول أنواع الخبز التي يعشقها وليد. وليد كان مهندساً في حياة أخرى، لكنّ ولعه بالخبز غيّر مساره. أعاد افتتاح فرن الحايك في الأشرفيّة، وحوّله إلى «جمهوريّة» الخبز... راح يخبز أصنافاً منه على الطريقة الإفرنجيّة، قبل أن يفكّر في توسيع الفرن ليشمل مطعماً صغيراً يعيد الاعتبار إلى الأكل الصحّي. هنا تأكل بسرعة، والفاتورة مقبولة نسبيّاً، فأنت على الأقلّ تتذوّق ما تأكل. وذات يوم توسّعت الجمهوريّة إلى شارع الحمرا...
حين جاءت النادلة، لم أكن قد حسمت أمري بالنسبة إلى الشوربة (مينستروني أم غاسباتشيو؟)، وبقيت محتاراً بين «الميرغيز» مع هريسة ــــ لعلّه الحنين إلى المغرب العربي ــــ والسلمون بخبزة الـbagel والـchili con carne المسكوبة في قالب الخبز. لم أكن قد حدّقت جيداً في قائمة أطباق اليوم المدوّنة بالطبشور الأبيض على درفة الباب الحديدي الأحمر: عندنا اليوم «ريطة». كيف أتردد إذاً؟ إليّ بالريطة! لا بدّ من أن تكتشف بنفسك هذه الأكلة. كثير من اللبن وشيء من الصعتر في خبزة من خبزات وليد السحريّة. الفاتورة؟ ١٥ ألف ليرة لبنانيّة (من دون كأس النبيذ الأبيض). تحيا الجمهويّة!
باخوس...
bread republic café : 01,739040