إبراهيم الأمينيصعب على أحد محو ذكر ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية. لكن القيمة المضافة التي سيعمل كثيرون على إبعادها عن دائرة النقاش هي تلك الفكرة التي تجعل المقاومة ومريديها يعيدون الاعتبار إلى قوّة الحياة في رجل مخطوف، وفي جسد دُفن على عجل وأُخفي اسمه خلف رقم تحوّل بدوره إلى عنوان لمكان القتل وزمانه. فهل الإعجاب بقدرة العدو على رفع قيمة إنسانه، وأجساد قتلاه ـــــ وهو الذي يقتل دون توقف ـــــ هو إعجاب من موقع العاجز عن تقديم البديل، أم بمقدور محبي الحياة عندنا ومن حولنا، أن يجدوا في ما حدث، عملية إنسانية بامتياز، أم هم سينظرون إلى حرية الأسرى والدفن اللائق للشهداء ولو بعد حين، على أنه ضرب من التآمر على الحرية والسيادة والاستقلال؟
لكن الخجل الذي يحول دون صراخ محبي الحياة ضدّ مستعيدي حرية أسرى وشهداء، هو نفسه الذي يمنعهم من قول ما يؤدّي إلى قتل من حرّروا. وسوف نجد لهؤلاء جميعاً، عناوينهم التي تسأل سؤالاً واحداً: ولكن متى نلقي السلاح؟
واضح أنّ في لبنان والعالم العربي مَن بات يجد نفسه في مواجهة شاملة مع فكرة المقاومة، وأسلوبها ونماذجها، وجدواها وكلفتها وكلّ ما يتّصل بها. ولن يُعجَب هذا الفريق يوماً بأيّ إنجاز، وسوف ينزع الآدميّة عن كلّ من يتورّط في هذه المغامرة، وسوف يمنحه صفة الغوغاء والضعف والانحطاط النفسي. وسوف يقال: حسناً خرج أسرى أحياء، واستعاد الأهالي الأجساد، لكن ما ذنب شابّين قُتلا، وما ذنب عائلتين أُخفيت عنهما الحقيقة لعامين. وسوف يعود محبّو الحياة إلى علك كلّ ما تعلّموه خلال عمر ثورة الأرز، على قصره، ليرسموا من جديد، حدّاً بين حبّهم للحياة، وحبّ غيرهم لحياة أخرى، باعتبار أنهم يفكرون حقاً في أن الحياة التي يعشقونها هي غير الحياة التي يعشقها المقاومون. ومن يفكّر في خلاف ذلك، فهو أحمق متخلّف حقود جاحد، لا مكان له في هذه الدنيا.
ربما آن الأوان لكلام آخر عنوانه: إنّ شعرةً واحدة تفصل بين الحياتين، هي نفسها التي تفصل بين الحياة والموت!.