راجانا حميةداخل الباحة، كان العجوز محاطاً بأهالٍ حائرين أيضاً، يهيمون بقصصهم وصورهم على الطريق الفاصل بين المستشفى والمدرسة حيث الأجساد المسجّاة، وينتظرون الخبر اليقين. هذا الخبر الذي فات عليه الزمن، يحتاج علي سلمان إليه، كي يعرف مصير والده الذي اختطفته إسرائيل عام 1982 من منزله في بلدة معركة. لم يبقَ له منذ ذلك التاريخ سوى صورة هويّة بالأبيض والأسود وشهادة الصليب الأحمر الدولي التي تثبت وجود موسى الشيخ سلمان في المستشفى الإسرائيلي في المعلّية عقب ثلاث سنوات على أسره.
علي، الذي غاب عنه الوالد، لا يزال قادراً على العيش من دونه، ولكن أمّ محمّد لا تستطيع ذلك، فهي تحتاج إلى معرفة مصير ابنها الذي غادرها في عمر الرابعة عشرة، واختفى في عاليه. هذه الأم التي يثكلها الغياب المفزع لابنٍ كان من المفترض أن يكون عمره 41 عاماً، تطلب فقط «قبراً» تبكي إلى جانبه.
أم محمّد، هي الأخرى لا تختلف في ألمها عمّن حضر إلى المستشفى أو من نام فيها بانتظار التعرّف إلى الأجساد، فكلّهم يجمعهم المصير نفسه، الحيرة والأمل بأن يكون الجسد المسجّى في شاهد هو الابن أو الزوج أو الحفيد أو الأخ. هؤلاء كلّهم خبروا المرارة ساعاتٍ طويلة، فجلّ ما كان يمكنهم عمله تبادل قصص مفقوديهم، إلى حين صدور الأسماء النهائيّة.