عبارة «استئصال الرحم» تمثّل رعباً حقيقياً بالنسبة إلى عدد كبير من النساء. الخوف يتخطى البعد الطبي والتأثيرات الصحية للعملية ذاتها. إنه يتعلق بالمفاهيم التي تحدد دور المرأة في مجتمعنا. ورغم أن كثيرات طرقن أبواب سوق العمل، وحقّقن نجاحات مهنية كبيرة، إلّا أن مهمة المرأة الأولى ما زالت إنجاب الأطفال
حلا ماضي
أذكر أستاذة الرياضيات، أذكرها تعود إلى المدرسة بعد غياب... أشياء كثيرة تغيرت فيها. ملابسها شديدة الاحتشام، عبوس يغلب الوجه الذي كان بشوشاً يتقبل أسئلة التلامذة ومشاغباتهم. المرأة المحببة إلى قلوبنا تحولت إلى معلمة عصبية لا يجرؤ أحد على مناقشتها، وقبل أن تبلغ سن التقاعد استقالت من مهنتها، ثم «اعتكفت» في المنزل، ولم تعد تلتقي الأصدقاء والجيران، وتحاشت لقاء بناتها.
تذكرت معلمتي عندما لاحظت تبدل جارتي، ها هي المرأة الأربعينية تبدو كأنها شابة في العشرين، صُدمت وأنا أشهدها في «اللوك» الجديد. بعد أيام علمت أنها طلبت الطلاق من زوجها. بين معلمتي وجارتي رابط، هما سيدتان خضعتا لعمليتي استئصال الرحم.
لم تتحدث المرأتان عن مشاعرهما، احتفظت كل واحدة بقلقها سراً يقضّ مضجعها، ولكن فاتنة الشابة السمراء التي كانت المبتهجة دائماً تتذكر تلك «اللحظة الفاجعة»، أي حين قال لها الطبيب إنها في حاجة إلى عملية لاستئصال رحمها إنقاذاً لحياتها، إذ إن الدواء لم يُجدِ في علاج فاتنة. تروي أنها لم تنم تلك الليلة، «وفي الأيام التالية بدأتُ بالصراخ. حين كنت أجد نفسي وحيدة في المنزل، كنت أضرب رأسي بالحائط لأني شعرت بأني سأفقد جزءاً مهماً مني. خفت كثيراً على حياتي الزوجية. اعتقدت أن زوجي سيتركني، فأنا لم أعد أصلح لأكون أماً أو زوجة».
الحديث مع مقربين من النساء الثلاث يلفت إلى أن كل واحدة اعتصمت بـ«سبيل خلاص» من النظرات المتعالية التي لاحقتها. «الرحم عند المرأة هو رمز الأنوثة والخصوبة، واستئصاله يجعل من المرأة «كائناً ناقصاً» في نظر أبناء المجتمعات المحافظة». تؤكد المعالجة النفسية الدكتورة سمر عبد الرحمن أن بعض النساء الخاضعات لهذه العملية يبدين عوارض هستيرية بعد استئصال الرحم، وتذكّر بأنه «قديماً كانوا يقولون عن المرأة العصبية إنها أضاعت رحمها في بطنها»!!
يُلاحظ أن بعض السيدات ينتهجن بعد العملية سلوكاً مناقضاً لشخصياتهن، فبعضهن يلجأن إلى أسلوب الإغواء والعمل على إثارة الرجل من طريق الملابس المثيرة والماكياج البارز، بهدف إثبات أنوثتهن، فضلاً عن اقتناع بعض السيدات بأنهن خلقن فقط ليؤدين دور الإنجاب والأمومة وليكنّ ربات منازل، وبالتالي فإن أي مسّ بهذا الدور يجعل منهن «نساء غير كاملات».
وحده الرجل ـــــ والشريك تحديداً ـــــ يستطيع مساندة المرأة التي تشعر بيأس أو حزن بعد استئصال رحمها. وتشدد عبد الرحمن أن «عليه أن يدرك أن العلاقة الزوجية لن تتأثر بغياب الرحم، على الرجل ألّا يغير أسلوب تعامله مع زوجته، فلا يبالغ في مدحها ولا يفرط في مغازلتها». وتؤكد عبد الرحمن أن الزوج الذي لا يساند زوجته بعد العملية يدفعها غالباً إلى السلوك الهستيري، وهذا ما يؤدي ببعض الحالات إلى الانزواء أو الانتحار.
دور الشريك مهم، لكن الخاضعة لعملية استئصال الرحم قد تحتاج إلى التخلي عن بعض الأفكار التقليدية، وعليها أن تتابع حياتها المهنية.
من جهة ثانية، يشير المختص في الطب النسائي، الدكتور فيصل القاق إلى أنه ليس للرحم عند المرأة وظيفة واحدة، وهي وظيفة احتضان البويضة الملقحة التي ستصبح جنيناً، وبالتالي فإنه «مرتكز» لحياة جنسية جميلة. ودعا القاق إلى العمل على «فكفكة وإعادة تركيب» المفاهيم المتعلقة بالمرأة، وبدورها «فهي إنسان له كيان، وليست فقط رحماً ينجب الأولاد، رغم أهمية هذه الوظيفة».
وتجدر الإشارة إلى أن مشاكل الرحم تحدث عموماً في أواسط العمر (الأربعينيات والخمسينيات) وتنتج عادة من الأورام الليفية التي تكون في معظمها سوداء غير خبيثة ناتجة من طبيعة أنسجة الرحم اللحمية، وهذه لا تُستَأصل إلا لدواعٍ جراحية ضاغطة.
ويلفت القاق إلى أن ربع السيدات اللواتي تجاوزن سن الأربعين يعانين ظهور الألياف من الرحم. ويضيف أن عملية استئصال الرحم إذا أُجريت قبل أن تبلغ المرأة سن الخامسة والأربعين، فإنه يُبقَى على المبيضين، لأن المرأة في هذا العمر بحاجة إلى المبيض الذي يفرز هورمونات الدورة الشهرية، ما يساعد على حفظ الأنسجة وحماية العظم والقلب وتغذية الأعضاء التناسلية ومنع الجفاف والتهابات المسالك البولية.


عوارض داء الرحم

يدعو الأطباء النساء إلى إجراء فحوص دورية، كل ستة أشهر تقريباً. ولكن يبدو أن هذا الأمر ليس رائجاً في لبنان، قليلات يتابعن الفحوصات المخبرية، وعندما تظهر علامات اضطرابات جسدية، نجد المرأة تطرق أبواب أطباء من اختصاصات مختلفة، لذلك من المفيد تحديد الحالات والأسباب التي تستدعي من الأطباء استئصال الرحم، وهي:
■ سرطان الرحم.
■ تفشي الألياف المتعددة التي تسبب الآلام في البطن أو في الحوض، أو نزفاً حاداً بعد الولادة.
■ حصول تمزق رحمي أو ثقب في جدار الرحم.
■ اضطرابات هائلة في الدورة الشهرية، مع نزف قوي وعدم الاستجابة للعلاج الدوائي