خرج شحادة جوهر معافى من كل معاركه التي خاضها على مدى عقدين، في مخيم عين الحلوة وخارجه، وفي لبنان والعراق. ولم يكن أحد يظن أن قتل هذا الرجل المجرّب في المعارك سيكون بالسهولة التي جرى بها الأمر فجر أمس
عين الحلوة ــ خالد الغربي

بعد سنوات من المطاردة، نال الموت من شحادة جوهر، أحد زعماء مخيم الطوارئ في عين الحلوة، والقيادي (السابق) في جند الشام وعصبة الأنصار... وتنظيم القاعدة. شحادة جوهر الذي نجا من عمليات اغتيال عديدة ومعارك تكاد لا تُحصى في لبنان والعراق، قُتِل في اشتباك «محدود» وقع مساء السبت في مخيم عين الحلوة، في إطار الصراع المفتوح بين حركة فتح و«جند الشام»، وقُتِل معه وليد سلّوم من «عصبة الأنصار الإسلامية» الذي كان يعمل على تهدئة الأمور، وعبد دوالي من جند الشام. وبينما توفي الأخيران مباشرة بعد إطلاق النار عليهما، ظل جوهر يصارع الإصابات الخطرة في مستشفى النداء الإسلامي داخل المخيم حتى فجر أمس.
ووفقاً لمصادر فلسطينية، فإن خلافاً وقع قرب المدخل الجنوبي لمخيم عين الحلوة، عندما طلب أحد عناصر حركة فتح من شحادة جوهر مغادرة محل لتصليح الدراجات كان موجوداً فيه، لأن «المنطقة مش منطقتك، ويلّا فل من هون». تطوّر هذا الكلام إلى إطلاق نار أسفر عن سقوط عدد من الجرحى، ليغادر جوهر المكان، متوجهاً إلى الشارع الذي يربط مخيم الطوارئ بالمدخل الشمالي لمخيم عين الحلوة، حيث وقع اشتباك مع مسلحين من حركة فتح كانوا متمركزين على حاجز للكفاح المسلح.
الاشتباك بقي محدوداً في رقعة امتداده، وأصيب جراءه جوهر بإصابات وضعت حداً لحياته بعد ساعات قليلة. ورغم سكوت السلاح، كان الاستنفار سيد الموقف، وذكرت المعلومات أن جماعة جند الشام نصبت مدفعي هاون، وانتشر أفرادها بكثافة مستعدين «لغزوة» كبرى. لكن «صمام الأمان» الذي تمثله «عصبة الأنصار الإسلامية» و«الحركة الإسلامية المجاهدة» ضَغَط للجم أي تدهور.
داخل المخيم بدت صور سمير القنطار والشهيدة دلال المغربي والشهداء المحررة أجسادهم وكأنها تراقب العائلات النازحة تخوفاً من انفلات الأوضاع، ما دفع بإحدى النسوة إلى مخاطبة أصحاب الصور: «ليتَكم لم تعودوا ولم تروا أحوال الثورة فتندموا على تضحياتكم».
في الشارع الرئيسي للمخيم وبعض أحيائه، انتشار كثيف لمسلحين من «فتح»، إلا أن هؤلاء المقاتلين لم يكونوا في وضع قتالي، ولم تكن اليد على الزناد. فقاذف الآر بي جي مستلقٍ على حائط في حي «طيطبة»، ويحمل عدد من المقاتلين كؤوس الشاي. «اطمئنوا. لا شيء يدعو إلى القلق»، يقول مسؤول المجموعة التي لا يخفي مقاتلوها اغتباطهم بمقتل جوهر. «صيد ثمين»، يقول أحدهم، «وخاصة بعد إصابة عماد ياسين»، أحد المسؤولين العسكريين في «جند الشام»، بانفجار عبوة ناسفة يوم 22 حزيران الماضي. وغياب الاثنين، بحسب أحد مقاتلي فتح، يُضعِف «جند الشام» التي تبقى بمثابة لغز بعد الإعلان أكثر من مرة عن حلّها، «ويشلّ قدرتها على التحرش بحركة فتح».

تصفية أم حادث فردي؟

فرح بعض مسلحي فتح بمقتل جوهر، تزامن مع جزم بعض العارفين بشؤون المخيم بأن فتح نجحت حتى الآن في «قتل بعض الرموز التي دأبت على افتعال خلافات معها»، مؤكدين «أن الاشتباك الذي قتل فيه جوهر لم يكن إلا مجرد فخ لاغتياله».
بالمقابل، أكّد قائد الكفاح المسلح الفلسطيني منير المقدح أن «الحادث فردي»، مطَمْئِناً إلى أن «الوضع ممسوك والسفينة ممنوع خرقها من أي طرف لأنها في هذه الحال ستُغرِق الجميع». وأمل المقدح «بتخطي الأزمة، وباستطاعتنا وضع برنامج محاسبة لكل من يخلّ بالأمن، وسيتم التحقيق في موضوع الاشتباك». وأكّد أنه «لا يوجد أي قرار لدى فتح بالتصعيد»، نافياً أن يكون ما حصل كميناً، «بل إطلاق نار سقط فيه قتلى وجرحى بينهم ستة من المدنيين». وأضاف المقدح أن «الجهد يتركز على متابعة انتصارات حزب الله وتشييع شهداء الثورة. وللمرة الألف، أؤكد عدم السماح لأي كان أن يجرّ المخيم إلى قتال داخلي أو مع الجوار»، منوهاً «بدور عصبة الأنصار ودورها الإيجابي».

العصبة: تضحية لاستقرار المخيم

عصبة الأنصار الإسلامية التي كان القيادي البارز فيها أبو شريف عقل يتعسكر ويمتشق السلاحن طالباً من العناصر الإسلامية «الهدوء وعدم التصعيد»، بدت وكأنها بين نارين. فهي قالت على لسان بارزين فيها إنه إذا كان الخيار القبول بالتضحية باثنين أو الانجرار الى سفك دم وفتنة، فهي تقبل بالأول حفاظاً على استقرار المخيم. أما قائد «الحركة الإسلامية المجاهدة» الشيخ جمال خطاب، فقد جهد لخفض التوتر وإقناع الجميع «بضرورة تحكيم العقل».

تحذير من نهر بارد جديد

بدوره، أبدى مسؤول حركة حماس أبو أحمد فضل تخوّفاً من «فوضى السلاح والإسراع لإطلاق النار، وهو ما يسبّب ضرراً على أمن المخيم واستقراره». وحذّر من أن «عدم معالجة الأمور جدياً عبر ضبط السلاح سيؤدي إلى الفوضى التي تعني ذهابنا إلى تجربة في عين الحلوة تشبه تجربة مخيم نهر البارد». وطالب فضل «بمعاقبة الفاعلين كي لا تتكرر الحوادث، ويصبح القتل والقتل المضاد مسألة عامة تُخرج الناس عن قِيَمها. وعندها، ستصبح القوى الإسلامية، التي كانت تستطيع الضغط على بعض العناصر ولجمها، غير قادرة على هذا الأمر. وأشار إلى «عدم وجود معلومات عن تصفيات متعمدة، بل إن الإشكال فردي وقد تحوّل إلى عملية قتل».
وعقدت في المخيم اجتماعات، وطالبت القوى الإسلامية بتسليم مطلقي النار والتحقيق معهم. وكمخرج لعدم زيادة الاحتقان داخل المخيم، جرى الاتفاق على دفن جوهر وسلوم في مقبرة صيدا الجديدة، بعدما أحضرت جثتاهما إلى جامع الموصللي عند مدخل التعمير، الذي يقع ضمن رقعة انتشار الجيش. وتم تشييع دوالي من المسجد ذاته إلى مقبرة درب السيم. واتخذت الجنازة طريقها من البولفار الشرقي في صيدا بمواكبة من الجيش اللبناني، ولم تمرّ داخل المخيم.


من فتح إلى تنظيم القاعدة

شحادة جوهر. يكاد يكون الاسم الأول الذي يتبادر إلى ذهن أهالي مخيم عين الحلوة وجواره عند كل اشتباك يشارك فيه إسلاميون. وعندما كان يُسأل عما يجري، كان جوابه الدائم: «ما في شي. شوية زعران عم نربيهم».
ولد شحادة جوهر عام 1970 في مخيم عين الحلوة في عائلة متواضعة. كان والده يعمل حمّالاً في مؤسسة تجارية في صيدا. بعد تحرير صيدا من الاحتلال الإسرائيلي، انضم شحادة إلى حركة فتح، ومعها تلقى تدريباته العسكرية الأولى. من فتح، انتقل بداية التسعينات إلى عصبة الأنصار الإسلامية، ليبدأ عمله في مسيرة «الجهاد في سبيل الله» قبل أن يترك صفوفها محافظاً على علاقة ودية بقادتها، لينتقل في النصف الثاني من التسعينات إلى «جند الشام».
بعد احتلال العراق عام 2003، قصده شحادة لأن «للجهاد طعماً هناك»، بحسب ما ذكر قبل مدة وجيزة، كاشفاً عن إقامته معسكراً لتدريب المتطوعين الجدد في صفوف تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين.
كان جوهر يتحدّث دوماً عن الجهاد في فلسطين، قائلاً إنه همه الأول: «جماعة إيران بيمنعونا وجماعة أميركا بيقتلونا»، من دون أن يوفّر القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان من سهامه.
صدرت بحق جوهر عشرات الأحكام القضائية ومذكرات التوقيف. وبعد مقتله، سارعت بعض الجهات إلى إشاعة أنه أحد المشاركين في عملية اغتيال القضاة الأربعة عام 1999 في صيدا.
تعرض شحادة لأكثر من محاولة اغتيال أصيب في بعضها، وكان آخرها الانفجار الغامض الذي وقع قبل عام في محل يعمل فيه داخل مخيم عين الحلوة. وتنوقلت في حينها معلومات مصدرها جهاز أمني لبناني أن نوعية المتفجرات التي كانت في محله مطابقة لتلك التي استُخدمت في تفجير استهدف قوات اليونيفيل في سهل الخيام يوم 24/6/2007.
خاض جوهر معارك مفتوحة مع حركة فتح «المتزندقة» على حد وصفه، لكن خطواته في الاشتباك الأخير لم تكن مدروسة، فقتل.