في قرار قضائي لافت أصدره القاضي فوزي خميس، وسّع التعليل القانوني مفهوم سلامة الحدث، معطياً بالتالي القضاء المدني صلاحيات إضافية للنظر في قضايا الأحداث، من ضمنها القضايا المعروضة أمام القضاء الشرعيلم تقضِ سهى (11 عاماً) سوى شهور قليلة في كنف والديها. فقد انفصلا بعد ولادتها، واتفقا على أن تحضنها والدتها حتى بلوغها السن الشرعية، أي 9 سنوات، على أن يكون لوالدها الحق بمشاهدتها مرة واحدة أسبوعياً. بعد نحو عام، تزوجت والدتها، وتركت لبنان للعيش في فرنسا، فانتقلت سهى إلى حضانة جدتها لوالدتها. في صيف عام 2000، عرضت والدة سهى أن تحضن ابنتَها في فرنسا، لكن الوالد رفض هذا العرض، وتقدّم بطلب من قاضي الشرع السنّي في بيروت لمنع سفر ابنته خارج لبنان، فوافق القاضي.
في اليوم الأول من حرب تموز من عام 2006، تقدّم والد الطفلة من القاضي ذاته بطلب للحكم له بتسلّم ابنته لتجاوزها سن الحضانة المقررة شرعاً. لكن، وقبل صدور الحكم، استغلّت جدة سهى ووالدتها ظروف الحرب لإرسالها إلى فرنسا. الوالد قابل هذا الأمر بالادّعاء على طليقته ووالدتها، قبل أن يصدر حُكم قاضي الشرع لمصلحته. وبعد توقيف جدة سهى وخالها، أعادتها والدتها إلى والدها يوم 20/ 4/ 2007.
الجدة والوالدة لجأتا مجدداً إلى المحاكم الشرعية التي أصدرت قراراً بتمكينهما من مشاهدة سهى مرتين شهرياً، مع إعطائهما حق أن تبيت الطفلة في منزل جدتها في هذين اليومين، وهو القرار الذي طلب والد الطفلة من المحكمة الشرعية السنّية العليا تعديله، من دون أن تبت المحكمة الطلب حتى اليوم.
بعد ذلك، تقدّمت جدة سهى ووالدتها باستدعاء من القاضي المنفرد الجزائي الناظر بقضايا الأحداث في بيروت، الرئيس فوزي خميس، ذكرتا فيه أن القاصر «تتعرض لسوء التربية عند والدها، وحتى للخطر، لكونه خاضع لإرادة والده، الحاضن الفعلي للقاصر التي تقيم في منزله لا في منزل والدها المتزوج». وأضافت المستدعيتان أن جدها يمنعهما من مشاهدتها ويبرز تقارير طبية تؤكد أنها مريضة ولا تستطيع الخروج في كل موعد مشاهدة. وطلبتا حماية سهى من حاضنَيها (والدها وجدها) وفقاً لأحكام القانون رقم 422/ 2002 (قانون حماية الأحداث المخالفين للقانون والمعرضين للخطر).
القاضي خميس أصدر قراراً أوّلياً عيّن بموجبه طبيباً نفسياً لمعاينة سهى ووضْع تقرير عن وضعها النفسي. كما قرر تمكينَ الجدة من رؤية حفيدتها مرة كل أسبوع في مكتب حماية الأحداث، بحضور المندوبة الاجتماعية. وقد أصدر القاضي فوزي خميس في الأسبوع الفائت قراره النهائي، موجباً تمكين جدة سهى من مشاهدة حفيدتها في منزلها نهاراً كاملاً في كل أسبوع، مع إلزام والدها (أو من ينوب عنه) إيصالها في الوقت المحدد. كما أوجب عرضَ القاصر على مركز العناية بأطفال الحرب الذي عليه أن يودع المحكمة تقريراً مفصلاً عن وضعها النفسي والسلوكي والذهني، وأن يبيّن أفضل السبل لمعالجة أي مشاكل لديها.
قرار القاضي خميس يبدو في الشكل عادياً. إلا أن قراءة تفسيره للنصوص القانونية التي استند إليها يُظهِر أنه وضع تعريفات وتفسيرات تكاد تكون غير مسبوقة لمفهوم الخطر الذي يهدد القاصر، موسّعاً بالتالي صلاحيات القاضي الناظر في قضايا الأحداث، ومن ضمنها القضايا التي تنظر فيها المحاكم الشرعية.
فالقاضي خميس رأى أن الاتفاقية الدولية لحماية حقوق الطفل، ولا سيما في المادة 41 منها، كانت مرنة لناحية ترك الحرية لتطبيق النصوص القانونية التي تأخذ بعين الاعتبار مصالح القاصر الفضلى. وقد فصّل خميس في ما نص عليه البند الأول من المادة 25 من القانون رقم 422/ 2002، أن القاصر يكون مهدداً إذا وجد في بيئة «تعرّضه للاستغلال أو تهدد صحته أو سلامته أو أخلاقه أو ظروف تربيته». ورأى أن البيئة التي يسودها الجهل والقهر والحرمان والفقر المدقع والتفكك الأسري، ومن ناحية أخرى البيئة المترفة المتحللة من اضطلاعها الكامل بمسؤولياتها اتجاه أفرادها، ولا سيما القاصرين منهم، تعرّضان على حد سواء القاصر للاستغلال بمعناه الواسع. ومما رأى خميس أنه يمثّل خطراً على صحة الطفل الجسدية هو حيث يتعرض الحدث لعنف جسماني وكل ما من شأنه المساس بسلامة الجسد، كالحرمان من الطعام اللازم والنوم ومقتضيات النظافة والعلاج المطلوب تبعاً للحالة المرضية، أو الحرمان من العلاج الوقائي كاللقاحات الضرورية للاتقاء من أمراض قد تصيبه في المستقبل. وشدد على أن انفصال الزوجين يترك آثاراً سلبية عند القاصر بحيث تهتز في ذهنه صورة والديه، أو صورة أحدهما، مما يؤدي إلى توليد ضغط على نفسيته قد يجعله بحاجة إلى عناية خاصة تصل إلى حد العلاج النفسي.
(الأخبار)


حق الطفل بإبداء الرأي

رأى القاضي الناظر بقضايا الأحداث في بيروت، الرئيس فوزي خميس، أن ما يهدد سلامة الطفل النفسية والذهنية، ويوجب بالتالي تدخل القضاء لحماية القاصر، يتضمن كل ما من شأنه أن يُؤدي إلى أن يكون الحدث منعدم الشخصية والحضور والقرار المسؤول، ومنقاداً لتعسف وإملاءات تلك البيئة، خائفاً وكابتاً بصورة مَرضيّة لحقيقة مشاعره. ورأى خميس تهديداً لسلامة القاصر عدم تأمين حقه في مناقشة بناءة وهادئة أو تفاهم أو إبداء معارضة منطقية ومحقة. وأضاف القاضي خميس أن انعدام هذا الحق يولد إذعاناً لا يليق بكرامة الطفل وطاعة لا تليق بمواجهة غطرسة سلبية