خالد صاغيةتجمّع أمس أهالي اللبنانيّين الموقوفين في السجون السوريّة للتذكير بقضيّتهم، بالتزامن مع زيارة الوزير وليد المعلّم إلى لبنان. تحوّل المشهد من اعتصام لأصحاب قضيّة حقّ إلى محاولة من بعض الزعماء الصغار لإبراز مواهبهم على ظهر الأمّهات والزوجات الصابرات. لكنّ المشهد الدنيء الذي افتعله هؤلاء «المُعَرْبشون» لا يلغي حقيقة أنّ الجيش بات يستسهل قمع التجمّعات الاحتجاجيّة، ولم تسلم حتّى الأمّهات المسنّات من «التدفيش» والسقوط أرضاً. وجاء كلام إحداهنّ معبّراً حين صرخت على الشاشة: أنا إسرائيل ما دفّشتني، وسوريا ما دفّشتني!
لكنّ الواقع أنّ الجيش لا يتحمّل وحده مسؤولية إطلاق يديه على هذا النحو، في مجتمع لا يكفّ عن التصفيق لإنجازات مؤسّسته العسكريّة. فهذا الجيش هو نفسه الذي نُظمت فيه قصائد المديح لدى تدميره مخيّم نهر البارد. وهو نفسه الذي أطلق النار على متظاهري مار مخايل (أين أصبح التحقيق بالمناسبة؟). وفي كلّ مرّة، كان يظنّ الجيش أنّه يقوم بواجبه، كان «المجتمع المدني» يصفّق له، طالباً المزيد. وها هو رئيس الجمهوريّة قد أتى من القيادة العسكرية مباشرةً إلى سدّة الرئاسة على وقع الهتاف والزغاريد وتأييد الكون كلّه... لقد اعتادت بعض الأصابع الضغط على الزناد. بعد سكّان المخيّمات، وفقراء الضواحي، جاء دور أمّهات المعتقلين.
ليست هذه خطيئة المجتمع الوحيدة التي كشفها اعتصام الأمّهات. ثمّة خطيئة أخرى أشدّ فداحة. فمن المفترض أن تبادر الدولة اللبنانية إلى مطالبة زميلتها السورية بكشف مصير مفقودين على أراضٍ سوريّة، وهي لم تتمكّن بعد من إقناع أركانها، أي أركان الدولة اللبنانية، أي أمراء الحرب السابقين، بكشف مصير المفقودين على الأراضي اللبنانية خلال الحرب الأهليّة. والمؤسف أنّ بعض الأصوات العالية في ادّعاء الدفاع عن المعتقلين في السجون السوريّة هي نفسها صاحبة الفضل في إخفاء عدد من مفقودي الحرب الأهليّة الذين لا يزال مصيرهم مجهولاً.
إنّ هذه النقطة لا تضعف موقف الدولة اللبنانية وحسب، بل تطرح أسئلة بشأن المجتمع اللبناني الذي لا يتوقّف عن جلد نفسه. ترقّبوا الموسم الجديد في الانتخابات النيابية المقبلة.