بيار أبي صعبشهدت مدريد الأسبوع الماضي حدثاً خطيراً، ربّما لم ينتبه إلى أهميّته كثيرون، ممن شغلهم تحرير المقاومين والشهداء العائدين من إسرائيل. فالاحتفالات بذلك اليوم التاريخي عمّت العالم العربي، ووصلت إلى جريدة «الشرق الأوسط» السعوديّة التي لم تستطع إخفاء فرحتها العارمة بهزيمة العدوّ، فصدّرت صفحتها الأولى بالمانشيت الآتي (١٧/ ٧/ ٢٠٠٨): «صفقة الرضوان كلّفت لبنان 5,2 مليارات دولار و1200 قتيل».
أما الحدث الخطير الذي ربّما فات بعض القرّاء، فهو «المؤتمر العالمي للحوار بين الأديان» الذي دعا إليه الملك عبد الله بن عبد العزيز، وأقيم في العاصمة الإسبانيّة بين ١٦ و١٨ تموز/ يوليو، برعاية الملك الإسباني خوان كارلوس وخادم الحرمين الشريفين، وحضور قرابة مئتي شخصيّة روحيّة...
وتمخّض المؤتمر عن وثيقة تاريخيّة، تدعو إلى «محاربة الإرهاب» ــــ بعد «الاتفاق على تعريفه»! ــــ و«مكافحة الجريمة والفساد والمخدرات والاتصال الجنسي غير الشرعي»... أما اختيار مدريد لاحتضان هذه المبادرة الجريئة (المؤتمر من تنظيم «رابطة العالم الإسلامي» ومقرّها مكّة المكرّمة)، فجاء لحسن الحظ ليسمح للمدعوين بتأدية فروضهم الدينيّة. الأمر الذي كان سيطرح بعض الإشكاليات في المملكة، البلد الوحيد على الكوكب ربّما الذي يحظّر ممارسة أيّة شعائر غير متطابقة مع ديانته الرسميّة.
لكنّ الأمور ستتغيّر. ألم يبشّر الملك السعودي الإنسانيّة بـ«فتح صفحة جديدة يحلّ فيها الوئام محل الصراع»؟ ألم يذكّر العالم بأن الإسلام دين الوسطيّة والتسامح؟ بعد اليوم لا تحريض على «الكفّار» (أي غير المسلمين) في المناهج المدرسيّة إذاً، ولا اضطهاد للمرأة باسم الدين، ولا تشجيع للحركات الأصوليّة المتطرّفة، ولا سيطرة للمطاوعة (والفكر الذي أنتجهم) على مرافق الحياة العامة... ولمَ لا نتخيّل السعوديّة قريباً دولة علمانيّة، الدين فيها لله والوطن للجميع؟
إذا كانت مبادرة الرئيس الفرنسي ساركوزي لإطلاق «الاتحاد من أجل المتوسّط»، قد بدت لمعظم المعلّقين والمحلّلين، كرنفالاً استعراضيّاً لا يلزم المشاركين فيه بشيء (ويكاد يكون إنجازه الوحيد مصافحة الزعماء العرب يد أولمرت الدامية).... فماذا يمكن أن نقول عن «المؤتمر العالمي للحوار بين الأديان»؟