لا يعاني أبناء المُحتَجَزين من ابتعادهم عن أحد والديهم طوال مدة المحكومية فقط. فزيارة الآباء المُحتجزين في سجنهم، أو رؤيتهم في قفص الاتهام، قد تترك آثاراً عميقة في نفوس من هم دون الثانية عشرة من أبنائهم
سوزان هاشم
مرّت ساعات الانتظار طويلة. أهالي الموقوفين ينتشرون في قاعة المحكمة ترقباً لوصولهم. تتباطأ الدقائق ليدخل بعدها أفراد من قوى الأمن يسوقون الموقوفين إلى قفص الاتهام. يخترق الموجودين طفلٌ يصرخ: «بابا بابا».يمسك بِساق الموقوف ويبكي. سامر يبلغ الخامسة من العمر، لم يسمح له رجال الأمن بمعانقة «البابا»، فضلاً عن الأصفاد التي كانت تكبل يدَي الوالد الموقوف.
يتكرر هذا المشهد في المحاكم وأمام الشِّباك الحديدية للسجون، تاركاً عند الأطفال، وخاصة الذكور منهم إذا كان الوالد هو الموقوف، ندوباً نفسية تصعب إزالة آثارها. ولعل أكثر الأطفال تأثراً بذلك هم الذين تراوح أعمارهم بين 4 سنوات و12 سنة. فبحسب ما تفيد الاختصاصية في علم النفس ومندوبة الأحداث في محكمة النبطية مريم جابر، «قد تؤدي رؤية الوالد في قفص الاتهام أو خلف شِباك السجن إلى دحض الصورة المثالية التي تتكوّن في مخيلة أطفالهم الذكور. وقد ينعزل هؤلاء عن محيطهم، أو أن يختاروا مواجهة الواقع بطريقة سلبية، فيضحي سلوكهم أكثر عدائية، وقد يصل الأمر إلى نمو النزعة الإجرامية لديهم». وتزداد الانعكاسات النفسية لدى بعض الأطفال الذكور الذين يشعرون بأن آباءهم، الذين يرونهم مُثُلَهم العليا، خذلوهم بضعفهم. أما بالنسبة إلى من هم دون الرابعة من العمر، فتلفت جابر إلى أن «قدرتهم على التمييز تكون ضئيلة».
من ناحية أخرى، يشير اختصاصيّون نفسيون إلى أن صورة الوالد المُحتَجَز قد تنعكس إيجاباً على علاقة الابنة بوالدها، فيزداد تعلّقها به وتعاطفها معه، لكنها قد تنعكس سلباً على علاقتها بوالدتها الموجودة خارج السجن، إذ تشعر الطفلة في بعض الأحيان بأن والدتها تتحمل جزءاً من مسؤولية ما أصاب والدها.
تصطحب م. ن، زوجة أحد الموقوفين الذين يخضعون للمحاكمة أمام محكمة الجنايات في النبطية، أولادها الثلاثة، الذين يبلغ أكبرهم السادسة من العمر، إلى كل جلسة لمحاكمة زوجها. فبحسب قولها، لا مكان لديها تودعهم فيه ريثما تعود إلى المنزل. وكذلك الأمر بالنسبة إلى أم عدنان التي تصرّح بأن طفلها محمد (7 سنوات) الذي يكتفي بالقول: «جايي شوف البابا». وعادة ما يُقاطع الأطفال ببكائهم أو لهوهم كلام القضاة والمحامين، مما يدفع برؤساء المحاكم للتدخل والطلب من أفراد الأمن إخراج الأطفال من القاعة. وفي بعض المحاكم، يُمنَع الأطفال من الدخول أصلاً.

أطفال أمام القضبان

لا يختلف مشهد الأطفال أمام قضبان السجون عن مشهدهم في أقفاص الاتهام. فأبناء المحكومين والموقوفين يزورونهم مع أفراد العائلة. وفي ظلّ غياب غرفة لمقابلة السجناء، فإن هؤلاء يرون آباءهم من خلف الشبك الحديدي والزجاج. ويشير أحد المسؤولين في السجون اللبنانية، إلى أنه يُسمَح في الكثير من الأحيان بتواصل الأطفال مع ذويهم عبر نافذة الباب الحديدي للسجن. وفي هذا المجال، يطالب ناشطون حقوقيون بإنشاء غرف خاصة تزور فيها العائلات أبناءها الموقوفين، مما يسهم في المحافظة على صورة الآباء في أذهان أبنائهم، انسجاماً مع الرؤية الإصلاحية للسجون لا العقابية.


لا تأخذوهم إلى المحاكم

يؤكد اختصاصيون نفسيون انتفاء أي مبرر لإحضار الأطفال إلى المحاكم، حيثُ يُستَجوَب أحد والديهم. وينصح هؤلاء بعدم اصطحاب الأطفال ممن هم دون الثانية عشرة من عمرهم، لزيارة أهلهم الموقوفين إذا كانت مدة العقوبة قصيرة. أما إذا كانت المحكومية طويلة، فلا يمكن حرمان الطفل زيارة والده (أو والدته) في السجن، لكن ينبغي للعائلة التمهيد للأمر بإشراف اختصاصيين اجتماعيين