سناء الخوري ــ خالد الغربي«هذه المناسبة للجميع، فقد عادت لنا الشهيدة سناء»، بهذه الكلمات الواثقة بدأ يوسف محيدلي حديثه في الجهة الأخرى من الهاتف. ليست المرّة الأولى التي يتشارك فيها الرجل ابنته مع الجميع. فهو، عندما غادرت المنزل منذ 23 عاماً، أدرك أنّها أصبحت شخصيّة عامّة. هناك حيث هو في ليبيا، لم يستطع أن يتحدث طويلاً. تحضيرات السفر حجة مقنعة، لكن التأثّر في صوته يشير إلى أنّها ليست السبب الحقيقي. ربما لم يستوعب الرجل بعد أنّه سيدفن ابنته، وأنّ رائدة الشهيدات لم تعد رقماً في «مقبرة الغرباء» الإسرائيليّة. «هذه علامة النصر» يضيف الوالد الذي يترحّم على باقي الشهداء ويرجونا أن نكلّمه في وقت لاحق، فرحلته من ليبيا إلى لبنان عبر مصر ثمّ سوريا ستكون طويلة.
يصل يوسف مع أولاده: عبير، محمد ومعتصم من الخارج صباح اليوم، ليشاركه الجميع فرح عودة عروس الجنوب إلى ترابه. التحضيرات في كواليس الحزب السوري القومي الاجتماعي لم تتوقف، إذ يتوقّع أن يقام تشييع احتفالي كبير للشهيدة عند الساعة الخامسة عصر الجمعة المقبل في بلدتها عنقون، حيث يستعدّ الأهالي لاستقبالها بإقامة عرس يليق بها كفاتحة لعصر الاستشهاديات، كما ينوون رفع نصب تذكاري لها عند مدخل البلدة، يستحضر ذكراها بعد غياب دام ثلاثة وعشرين عاماً. فقد نفّذت سناء عمليّتها الاستشهادية في التاسع من نيسان عام 1985، حين استقلّت سيارة مفخخة استهدفت قافلة للعدو فأدّت إلى مصرع ضابطين وجرح عدد من الجنود الصهاينة.
يغمر الفرح أقارب سناء جميعاً. تقول جمال محيدلي قريبتها، إنّها عادت 23 سنة إلى الوراء عندما استقبلت رفات الشهيدة منذ يومين. «لم نكن بوارد الحصول على ظفر منها»، تضيف، فلا تعود تعرف لشدّة تأثّرها ما إذا كانت تبكي أو تضحك. المهم الآن عند عائلة الشهيدة أن سناء ستدفن في أرضها فيختلط عندهم استرجاع ذكرى الفقد بنشوة العودة، وحزن الدفن برغبة في «إقامة عرس» لشابة لم تحظَ بطرحة. لا تستطيع صباح محيدلي قريبة الشهيدة أيضاً، أن تضبط دمعتها عندما تُسأل عن شعورها بعودة سناء. «عزّ وفرح ونصر» كلمات تبدو آتية من أعماق قلبها. النصر لازمة تترافق مع صورة الاستشهادية في حديث من ينتظرونها. إنجاز المقاومة الذي تحقق في 14 آب 2006، أي في اليوم الذي كانت ستبلغ فيه سناء 38 عاماً لو لم تختر طريقاً آخر، تراه عائلتها ورفاقها في الحزب القومي، نتيجة لما بدأته هي وغيرها من الاستشهاديين اللبنانيين والفلسطينيين. ينتظرون جميعاً الأيام المقبلة لكي يحتفلوا مع سناء هذه المرّة بها وبالنصر الذي صنعه أمثالها.