حين ربط فرانز فانون الثورة الجزائريّة بمصير القارّة
نبيل المقدم
تغطي نصوص فرانز فانون المنشورة في هذا الكتاب، الحقبة الأكثر نشاطاً في حياة هذا المناضل منذ أن نشر «بشرة سوداء وأقنعة بيضاء» في عام 1952. وتعيد هذه النصوص رسم طريق تسلكه أفكاره المتعلقة بظاهرة الاستعمار والمتطورة دوماً، لأنه اختبرها من الداخل. ويسكتشف فرانز فانون دورياً حالة المستعمر ويعرضها بشكل علمي، ثم يبيّن موقف اليسار من ثورة الجزائر، داعياً إلى دراسة الأثر الذي أحدثته على صعيد الوعي الوطني والفردي، لأنها تسمح بفهم الضياع والخوف اللذين وُجد الاستعمار الفرنسي فيهما في الجزائر.
وبهذه الطريقة، يوفّر لنا تحليل فانون ووضوح رؤيته المفاتيح الضرورية لفهم الواقع الأفريقي الحالي. ويتعامل مع مسألة الوحدة الأفريقية بطريقة واقعية، ولا ينظر إليها على أنها نظرة تنبّئيّة، بل على أساس أنها هدف النضال الفوري. كما ربط باستمرار مصير الثورة الجزائرية بمصير القارة كلها، ورآها مقدمة للثورة الأفريقية.
ويهاجم فانون أولئك الذين لا يرون في الاستعمار ومخلّفاته من حرب وتعذيب سوى وباء فطري مخيف، يكفي أن نحول دون انتشاره أو أن نستهجنه. فيما الاستعمار عبارة عن منظومة منطقية تماماً ومتماسكة، تحوّل كل من يعيش ضمنها إلى متواطئ حتمي.
والكفاح عند فانون ليس كلامياً بل مطلق، تكمن نهايته المنطقية في التحرير الكامل لأرض الوطن. والثورة أيضاً بالنسبه إليه عبارة عن تأثير متبادل ومستمر بين مختلف الأعضاء، وهي تفاعل دائم وتحفيز مشترك. وكأنما يريد أن يعطي هذه الثورة اندفاعاً جديداً عنوانها «الثورة الأفريقية قد أنشأت حالة لا رجوع عنها». ويبدو واضحاً أنّ فانون يحمل تصوراً لأفريقيا هو الأقرب لتصوّر صديقه لومومبا القائد الأفريقي الذي كان أيضاً من دعاة المحافظة على حرب التحرير الأفريقية.
وفي حديثه عن العنصرية، يصف فانون هذه الظاهرة بأنها ليست اكتشافاً عرضياً، كما أنها ليست عنصراً محجوباً أو مخفياً، ولا حاجة لجهود تفوق جهود البشر لإبراز هذا العنصر. والواضح في هذا السياق أن العنصرية عنده تخضع لمنطق واضح، وهي ليست ثابتة في فكر الإنسان بل تأتي على شكل استعداد مدرج في نظام محدد الأهداف. ومن خلال رفضه الواقع السياسي القائم، يرفض فانون أيضاً الانصياع للواقع الاقتصادي والثقافي قائلاً «ليس صحيحاً أن الإعلاء من شأن القيم يجب أن يمر بغربال الغرب، ويجب أن تعرف كل البلدان المستعمرة التي تخوض معركتها اليوم أن الاستقلال السياسي الذي سننتزعه من العدو مقابل الإبقاء على تبعية اقتصادية ليس إلا خدعة».
فانون في نضاله ضدّ الاستعمار يقدّم لنا حساً ومفهوماً إنسانيين جديدين. هو لا يريد إلا الانتصار الكامل لهذا الإنسان، كلّ إنسان.
* كاتب لبناني


العنوان الأصلي
لأجل الثورة الأفريقية

الكاتب
فرانز فانون

الناشر
دار الساقي