النزاع على القرنة السوداء ومياهها بين أهالي الضنية وبشري مستمر منذ عقود، مهدداً عشرات المزارعين في مصدر رزقهم الوحيد. ولم تكلّف السلطات نفسها عناء وضع حلول جذرية تقي المنطقتين والمزارعين شر العنف والعطش
الضنية ــ عبد الكافي الصمد
تنطلق السيارة صعوداً من «جرد النجاص» في الضنية إلى القمة الأعلى في لبنان: القرنة السوداء. الأفق هنا لا ينتهي، ولولا بعض الرعاة مع قطعانهم لما وُجِد أثر لبشر بين القمم الجرداء المترامية. الهواء العليل والبارد يلفح الوجوه، والتوقف في بضع محطات لالتقاط الصور لا بد منه. بعد ساعة وربع من القيادة في «الوعر»، يتوقف سائق السيارة الرباعية الدفع قائلاً: «هذه هي القرنة السوداء».
على تخوم القرنة، تبدأ القصة ــــ الأزمة بين مزارعين من الضنية وأهالي بشري، على خلفية جر مياه الثلاجات إلى الأراضي الزراعية في جرد النجاص ومشاع بلدة بقاعصفرين في الضنية. ففي القرنة كميات ضخمة من الثلج المتجمّد. وخلال الصيف، يمد المزارعون خراطيم لالتقاط مياه الثلج الذي يذوب ببطء، ثم يجرّون هذه المياه لري مزروعاتهم. وبينما يرى أهالي الضنية أن ما يقومون به هو من حقهم، يرى أهالي بشري في فعلِ جيرانهم تأثيراً سلبياً على المياه الجوفية.
ونهاية الأسبوع الماضي، تعرّضت خراطيم المياه الممتدة على طول نحو 10 كيلومترات للقطع في أكثر من 60 موقعاً، مما هدّد باحتمال تطور الأوضاع نحو الأسوأ بين أهالي المنطقتين، وحصول مصادمات وإطلاق نار كما حدث خلال الشهر الماضي.
فقطع الخراطيم يؤثر في معيشة أكثر من 400 عائلة قد تتعرض مزروعاتها لليباس وقطعان ماشيتها للعطش. وقد أثار الأمر استياء هؤلاء المزارعين، بعدما ظنوا أن الخلاف قد سُوِّيَ بعد اللقاء الذي عقد الشهر الماضي في مصلحة مياه لبنان الشمالي، والتعهد الذي نقل عن رئيس المصلحة جمال كريم بإبقاء الأمور على حالها إلى حين الانتهاء من إنجاز بحيرة «عطارة» أسفل القرنة السوداء لجهة الضنية.
لكن هذه البحيرة لم تُنجَز بعد، وبحسب بعض المزارعين، يعود السبب إلى «عدم التزام المتعهد بالشروط المطلوبة»، ولغياب من «يهتم بحل مشاكلنا»، وفق ما قال المزارع أحمد صبرا.
في ظل هذه الأجواء، ناشد مزارعو المنطقة، خلال جولة نظموها للإعلاميين أمس، المسؤولين في الجهات الرسمية «المساعدة في وضع حد للنزاع بشأن ملكية المشاع في المنطقة، واستخدام مياه الثلاجات، قبل استفحال الأمور وتطورها إلى ما لا تحمد عقباه»، شاكين من «إقدام أشخاص من بشري على قطع الخراطيم».
وفي حين لفت أحد المزارعين، محمود وردة، إلى أن من فعل ذلك «لا يملك ذرة من إنسانية أو ضمير»، نفى نائب رئيس بلدية بقاعصفرين محمد طالب أن يكون لجر خطوط المياه «أي أثر سلبي على المياه الجوفية كما يدّعي البعض»، متسائلاً عن الضرر الذي تلحقه خمسة خراطيم صغيرة، بينما تذهب معظم مياه المنطقة ولبنان هدراً إلى البحر.
ودعا طالب المسؤولين إلى «إرسال لجنة خبراء لإيضاح الأمور ووضع النقاط على الحروف، فإذا كان لنا حق فإننا لن نتنازل عنه، ونرفض أن يتعدى عليه أحد؛ وإذا كان لهم حق فليأخذوه ولا علاقة لنا بهم، مع أن كل الخرائط الرسمية أثبتت أن القرنة السوداء تتبع الضنية، وأنها تبعد عن الحدود الإدارية لبشري ما لا يقل عن 4 كيلومترات».
في المقابل، أوضح رئيس اتحاد بلديات بشري نوفل الشدراوي لـ«الأخبار» أن «الخلاف على المياه ليس جديداً، لكنه أخذ هذه السنة مستوىً أكبر، وتخطانا كرؤساء بلديات إلى السياسيين والنواب»، لافتاً إلى أن «التعدي على مصادر المياه التي تخص بشري عقارياً يتجدد سنوياً». وأشار إلى أن «أي حل للمشكلة ينبغي أن يكون قائماً على الحوار والتفاهم؛ فإذا كان لبشري حق في هذه المياه فيجب أن يُعطى لها، وكذلك الأمر بالنسبة للضنية»، متمنياً على أهالي المنطقتين وفاعلياتهما «معالجة الأمر في أسرع وقت وبالطرق السلمية، أو فليكن الذهاب إلى المحاكم هو الحل».