تحضر اليابان بقوة في صناعة ألعاب الفيديو، ويتعدى هذا الحضور مبيعات منتجاتها، إنها تشارك في صناعة ثقافة فنية مرتبطة بهذه الألعاب. الـ RPG الياباني صارت له «سطوته»، تستعير منه شركات في الدول الصناعية لتفبرك ألعابها، بل إن ثمة ألعاباً أميركية تعتمده، فما هو؟
بيسان طي
ألعاب الفيديو التي تُصنّف في إطار الـ RPG السينمائي تفوق من ناحية المبيعات ما تحققه أهم الشركات في هوليوود نفسها، وصارت أسماء الألعاب أشهر من عناوين الأفلام، كـ «Final Fantasy X-2»، و«Dragon Quest»، و «Wizardry»، وغيرها من الألعاب التي تباع منها عشرات ملايين النسخ.
ولكن ما هو هذا النوع من الألعاب؟ بداية إن تسمية «RPG» هي اختصار لـ «Role Playing Game»، أي ما يمكن ترجمته إلى العربية بـ«لعب تبادل الأدوار». ولد هذا النوع من ألعاب الفيديو من رحم ألعاب من ورق أو من الكتب، فقد انتشرت لفترات طويلة القصص «التفاعلية» التي تجعل القارئ يشارك في اختيار تطورها، وذلك عبر القرارات التي يتخذها نيابة عن بطل القصة (سيكون هو البطل)، كقصة «ساحر جبل النار» التي لاقت رواجاً كبيراً في الولايات المتحدة وفي أوروبا.
البدايات الأولى لـ RPG المعلوماتي كانت في الثمانينيات من القرن الماضي، ومع ظهور الأقراص الممغنطة (CD) صارت ولادة الـ «RPG» السينمائي ممكنة، أقراص الـ CD سهّلت عملية إضافة عناصر سينمائية إلى الألعاب، كالموسيقى الرقمية، ودبلجة الأصوات، بل والإخراج نفسه، وكل هذه العمليات كانت تتم بشكل بدائي جداً في فترات سابقة.
يمكن تلخيص أبرز خصائص الـ RPG السينمائي على الشكل الآتي: إنها تفرد مكانة رئيسية للمغامرة والإثارة، ويتم تطوير الحبكة من خلال مشاهد غير تفاعلية، كذلك فإن الإثارة تُقدم في إطار تقاليد القصص الأسطورية والملحمية. إذاً يتناوب خطّان في هذه الألعاب: خط المغامرة والبحث، وخط تخطي الصعوبات أو المعارك.
بما أن الـ RPG يرتكز إلى بنية قصصية، فإننا سنجد فيه راوياً هو النص المطبوع في الفصل الأول من اللعبة، أو نص مقروء بصوت مُضاف إلى اللعبة، وهذا النص يمكن اعتباره «سيد اللعبة»، نظام اللعبة هو المخرج (كما في العالم السينمائي)، واللاعبون هم الممثلون الذين يشاركون في كتابة نص اللعبة من خلال خياراتهم في اللعب، وفي هذا الإطار يصح القول بأن هذا النوع من الألعاب هو أشبه بشكل هجين يقع بين الرواية والفيلم.
الـ RPG السينمائي يعد اللاعب بأن يفتح له المجال لـ«يخلق» ظروفاً «تحكم» اللعبة، ويقدم «تأويله» الخاص لمسار اللعب. والأصح أن نقول إن هذه الألعاب ـــــ كغيرها من الألعاب والأدوات التي تنتمي إلى عالم التكنولوجيا ـــــ تعطي اللاعب الانطباع أو الوهم بأنه يخلق ويؤوّل مسار الأحداث، فنصّ اللعبة مكتوب سلفاً ـــــ فيما كانت القصص الورقية تعطي اللاعب حرية اختيار ما يشاء من حلول للعبته، والخيارات المقدمة للاعب في النسخ التكنولوجية محدودة.
التفاعل الأكبر مع اللعبة يتم من خلال ما اصطلح المعنيون على تسميته :المشاهد المُقتطعة «cutscenes»، وهي مشاهد المعارك أو تخطّي الصعاب. والمهمة هنا موكلة بالطبع إلى اللاعب، أما حبكة القصة فتُستكمل في مشاهد أخرى لا يتدخل فيها اللاعب. هنا نكتشف أن اللاعب ليس فاعلاً حقيقياً ، تأثيره على اللعبة يتم من خلال أمرين: تحديد خيار من الخيارات المحدودة المتاحة له، والتحكم بمدة اللعب من خلال مشاركته في المعارك أو تخطّي الصعاب. لفهم بنية هذه الألعاب يجدر التوقف عند دراسة أعدّها بنجامين توماس عن السينما اليابانية المُعاصرة، فيقول «من المكان يولد الزمن في اليابان، مفاهيم التأمل تُربط بالوصف، هكذا يُترك القرار والقوة للمكان، قوة يفوّضها له امرؤ تصير مشاركته في الأحداث مشاركة سلبية، أشبه بإدارة الوعي الزماني».
هذه القاعدة يستعيرها مصممو ألعاب الفيديو في اليابان، وهم يأخذون من ثقافتهم الكثير، فنحن نفهم الخيارات المحدودة المتاحة ليس فقط لأسباب تقنية بحتة، بل لأن اليابانيين لا يتركون «للحدث الطارئ» مكاناً في يومياتهم.
ما دامت الحرية وهمية، ولا مكان للمفاجأة أو للحدث الطارئ في ألعاب الـ RPG السينمائي، لماذا يقبل عليها عشرات الملايين حول العالم؟ السر يكمن في القصة ذاتها وفي الطريقة التي تُروى بها، يقول الكاتب الفرنسي أتونان بشلر المتخصص في شؤون التكنولوجيا، تستعير هذه الألعاب بنية قصص الـ«ساغا» أو أساطير مغامرات البطولة. وتلبي هذه الألعاب ما قاله الكاتب روجيه كايوا في كتابه «اللعبة والإنسان» بأن «اللعب هو طقس يساعد اللاعب على الإفراج عن انفعالاته العاطفية أو العنيفة، ويسمح له بتركيز انتباهه وخياله... كل ذلك في إطار الإذعان لبعض القواعد ولكن بعيداً عن مسؤوليات حياتنا اليومية».
أخيراً، الشخصيات التي نقع عليها في الـ RPGالسينمائي هي: المعتدي، والواهب، والمساعد، و الأميرة (أو الشخص المفقود)، والوكيل، والبطل (الذي يديره اللاعب)، ومدّعي البطولة.