فاطمة أمينعاد سمير يا أبي، وبعودته فكّرت بك وبأطفال قانا وبفلسطين. أحزنني حال أجمل الأمهات، وحال قلوبهن غير المنتظمة الخفقان. بالأمس، سمعت ضحكات أطفال الجنوب، وشممت رائحة ترابه. لم أرَ أطفال قانا إلاّ ضاحكين، يرسمون شمساً صفراء، انتظرنا تحت لهيبها ساعات، رجالاً عاشوا خارج الوقت. كالحلم، عشنا يوماً، نراقب تفاصيله، بانتظار من يوقظنا. فأيقظتنا إطلالة مارد، لم نسمع عنه إلاّ في رواياتنا، ولم نعرفه إلاّ من بعيد. أطّل كصباح بعد ليل طويل، ليملأ نهارنا أملاًَ ورقصاً وحرية.
هل تذكر صورته على حائط الغرفة يا أبي؟ كتب عليها الأسير المحرر أنور ياسين ما يشبه الأمل، منذ أربع سنوات، قبل غيابك. «إنه عميد الأسرى، يقبع في الأسر من قبل أن أولد» أجيب عندما يسألني الأطفال في العائلة.
كنت أحلم بأن ألتقط صورة جديدة لسمير، وأضعها مكان تلك القديمة. وكان باعتقادي أن الأبطال موجودون فقط إماّ في حكاياتنا أو في الأفلام.
إنما هذا النهار، كان كأخدود اجتاحني وغيّر معالمي. فصرت أكيدة من أن أحلامي موجودة وراء جبل مظلم، وسأعبر نحوها بعد هنيهة. وبأن كلمة بطل، ليست من اختراع مؤلف ما.
لم أغفُ بسهولة البارحة، لم أتوقف عن التفكير بشعور العائد إلى غرفة منزله بعد جيل. الفرحة لم تدعني أغفو بسهولة. هل سيغفو؟ أردت إرسال رسالة له، لأقول: تصبح على خير. أرسلتها لبسّام، لعلّها تصل لسمير عبر التصفيق.
عمّا قريب، سنقابله، سألتقط له صورة، أو أكثر. لن أستبدل الصورة القديمة، سأحبها أكثر، فأنت تعرفها يا أبي. وعندما يسألني أحد الأطفال عنها، سأخبره قصة بطل، بطل
حقيقي.
اليوم التالي، أردت أن أقول لسائق التاكسي وللجيران، صباح الحرية. صباح هذه الشمس التي سيملّ منها العائدون.
الحرية، يمكنها أن تكون بيضاء، أو حمراء، أو سنبلة. فلسمير، الأبيض، والأحمر، وسنبلة. قطفناها هذا الموسم، بفضل مواسم عمره التي ضحّى بها لأجلنا.