وسام اللحامما يثير الدهشة والاستهجان في دستور لبنان بعد الطائف، هو تحديداً صلاحيات رئيس الجمهورية في مجال إصدار المراسيم. فالمرسوم التقليدي في لبنان هو القرار الذي يصدر عن رئيس الجمهورية، ويحمل، إضافة إلى توقيع هذا الأخير، توقيع رئيس مجلس الوزراء والوزراء المختصين. بعض هذه المراسيم يحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء، والبعض الآخر لا يحتاج إلى مثل هذه الموافقة لكي يتمكن رئيس الجمهورية من إصداره. لذلك، وفي مطلق الأحوال، يظل توقيع الرئيس على المرسوم من الأمور الأساسية والجوهرية في اكتمال المرسوم. لم يتبدل هذا الواقع بعد تعديلات الطائف، لكن أضيف شرط جديد من شأنه تقييد صلاحياته ومنعه من ممارسة حق الفيتو على قرارات مجلس الوزراء، وهذا ما نستشفه من أحكام الفقرة الثانية من المادة 56 من الدستور. هذا الأمر منطقي ولا ينال من هيبة موقع الرئاسة، لكن الأمر غير المبرر والغريب الذي أغفله أرباب الطائف، سهواً أو عمداً، هو فرض الشرط نفسه على رئيس مجلس الوزراء أو حتى على الوزير.
فهل يعقل مثلاً أن امتناع وزير ما عن التوقيع على المرسوم، على الرغم من موافقة مجلس الوزراء، يمنع صدور هذا المرسوم، بينما رئيس الجمهورية ملزم بالتوقيع خلال المهلة المحددة، وإلا صدر المرسوم دون توقيعه؟
إنّ لهذا الخلل الجسيم تداعيات خطيرة جداً، فإن كان من غير الجائز عرقلة مقررات مجلس الوزراء، فإنّ هذا الأمر يجب أن ينطبق على الجميع ولا يقتصر فقط على رئيس الجمهورية. وقد سبق لمجلس شورى الدولة أن أعلن أن «المرسوم هو العمل الذي صدر عن رئيس الدولة، وإذا لم يقترن بتوقيع رئيس الدولة، يبقى بدون أي مفعول بالرغم من اقترانه بتوقيع رئيس الوزراء والوزراء المختصين، لأن القانون لم يولِ الوزراء سلطة التصرف، بل أناط الأمر برئيس الدولة...» (م.ش. قرار رقم 535 تاريخ 13/5/1999 أنطوان سعادة/ الدولة).
صحيح أنّ اعتبار قرارات مجلس الوزراء غير نافذة إلا بعد صدورها بمراسيم يهدد الوحدة الوطنية، لأنه يسمح لرئيس الجمهورية الذي ينتمي إلى طائفة معينة بعرقلة قرار مجلس الوزراء الذي يضم باقي الطوائف اللبنانية، بحيث يظهر أن طائفة ما تهيمن على الطوائف الأخرى. لكنّ السؤال المشروع الذي يطرح نفسه هو: لماذا لا ينطبق أيضا هذا التحليل على رئيس مجلس الوزراء وعلى سائر الوزراء؟ ولماذا توضع حجة الوحدة الوطنية في وجه رئيس الجمهورية فقط؟ ألا يُعدّ امتناع رئيس الحكومة عن التوقيع عرقلة لعمل مجلس الوزراء، هذه المؤسسة التي تتألف من جميع طوائف لبنان.
علاوة على ذلك، عندما ترى الطائفة التي ينتمي إليها رئيس الجمهورية أن المراسيم تصدر غير مذيّلة بتوقيع هذا الأخير، بينما رئيس الحكومة أو أي وزير آخر يستطيع بمجرد امتناعه عن التوقيع إيقاف تنفيذ المرسوم إلى أجل غير محدّد. نقول، ألن تشعر هذه الطائفة بالغبن، وبأن ما هو جائز لغيرها محرّم عليها؟ ألن يهدّد هذا الأمر في حال تفاقمه الوحدة الوطنية بشكل خطير؟ ومن قال إنّ تهديد الوحدة الوطنية مصدره رئيس الجمهورية فقط؟ فالوحدة الوطنية تصبح في خطر عندما تستأثر جهة ما بإرادة مجلس الوزراء وتصادر قراراته.
إنّ المطالبة بإصلاح هذا الخلل الجسيم يجابه مباشرة بحملة من التحريض الطائفي، فيتحوّل ميثاق العيش المشترك إلى الذريعة الأمثل للتصدي لأي مشروع إصلاحي يؤدي إلى التوازن في الصلاحيات. فالابتزاز هو السمة الأساسية التي تطبع تصرفات بعض الفرقاء الذين يعارضون تعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية بحجة التعرض للميثاق الوطني، وكأن الميثاق الوطني أصبح الأداة لتكريس الظلم الذي يطال شريحة واسعة من اللبنانيين.