يعاني عدد كبير من الشباب اللبناني بطالة مُقنّعة، فيعملون في مهن لا تتناسب مع شهاداتهم. منهم من اكتفى بواقعه، ومنهم من يسعى لتغييره
ديما شريف
فرحت والدة ميرنا بشكل هستيري عندما عثرت ابنتها على وظيفة معلمة لمادة المعلوماتية في إحدى المدارس. فميرنا تبحث منذ ما يقارب السنة عن وظيفة من دون جدوى. لم تفهم الوالدة السبب من وراء امتعاض ابنتها من الوظيفة قبل البدء بها. تحاول ميرنا إفهام أمها أنّ الوظيفة لا تحقق طموحاتها في العمل، فضلاً عن أنّها بعيدة جداً عن اختصاصها الجامعي، وهو الإعلان. تتمتم الوالدة بعبارات سخط عن عدم رضى هذا الجيل عن شيء. لم تفهم عبارة البطالة المقنعة التي حاولت ابنتها تفسيرها لها، فبالنسبة إليها ثمة حالتان: إما بطالة أو عمل، نقطة على السطر، انتهى النقاش.
لا تختلف أم هيثم عن عدد كبير من الأشخاص الذين لا يفهمون معنى البطالة المقنعة. فالعمل هو عمل مهما كان «ويشكر ربو إنو لقا شغل يضبو»، كما يقول أحد المسنين عن حفيده الذي يعاني هذه المشكلة.
ليس في لبنان أرقام عن مستوى البطالة والبطالة المقنعة في ظل غياب الدراسات الرسمية، لكن بعض تقديرات عام 2007 تشير إلى وصول النسبة إلى 30%. وتوصّلت بعض الدراسات إلى أنّ البحث عن العمل يستلزم في حده الوسطي 14 شهراً، وقد يصل إلى 16 شهراً لمن يبحث للمرة الأولى. ويرى المتخرّجون الجدد أنفسهم مضطرين لقبول أي عمل يعرض عليهم، نظراً لارتفاع الأكلاف المعيشية، ولتفادي رحلة البحث الطويلة. وتبدأ عندها مسيرة قد تستمر سنوات طويلة قبل الخروج من دائرة البطالة المقنعة واستغلال الشهادة الأصلية في عمل يناسبها.
من هنا، كيفما توجهنا في مراكز العمل في لبنان نجد حالات من البطالة المقنعة. فنسرين مثلاً كانت متأكدة من أنها ستعمل في اختصاص الحقوق بعد التخرّج. لكنها فوجئت بالمهنة بعدما خذلها الواقع، كما تقول. فبعد ثلاث سنوات قضتها نسرين في التدرّج من دون أي مردود مادي، اتخذت قرارها بالتفرّغ للتعليم. ورغم ذلك تدفع سنوياً اشتراكها في نقابة المحامين، ولو كان القانون يسمح بممارسة المهنتين معاً، لما تخلت عن المحاماة. ترى نسرين أنّ التدريس يوفر لها الاستقرار المادي، كما تعترف بأنها تتوق للاستقرار النفسي والاجتماعي الذي توفره المحاماة.
أما جورج، فتخرّج من معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، وبما أنّه لم يعثر على العمل الذي يناسبه، فهو لم يتوان عن فتح حانة عندما توافرت له الموارد اللازمة. لا يجد جورج أن عمله وشهادته متعارضان. فاختصاص العلوم الاجتماعية برأيه «مرن ويتغلغل داخل المجتمع»، ما يساعد على فهم أفضل للأمور، والتعامل مع الناس في أية مهنة كانت. أما وجوده في الحانة فيوفر له خلايا اجتماعية اختبارية، بحيث «أعيش التنظير الموجود في الكتب مسبقاً». لكن جورج يرغب بالعودة إلى الدراسة على أمل الحصول على دكتوراه والعمل بها.
من جهته، يعمل هادي ساقياً في حانة جورج، وهو حائز إجازة في الجغرافيا ويحضّر رسالة الماجستير في التنمية المستدامة. يبدو هادي مقتنعاً بعمله، ويؤكد أنه منذ سنتين ونصف السنة قضاها يعمل في الحانة، لم يجد ما يناسبه أكثر من عمله الحالي، فحتى فرص التعليم في المدارس لم تكن متوافرة جيداً. يؤكد هادي أنّه سينتقل إلى التعليم ويبدأ الاستفادة من شهادته بعد حصوله على الماجستير.
لا تختلف قصص هؤلاء الشباب عن قصة رنا، الحائزة إجازة في الهندسة وتدرّس مادة الفيزياء في إحدى المدارس حتى حصولها على الدكتوراه، وسونيا المتخرّجة من التاريخ، التي تعمل في وزارة المال، وغيرهما ممن هم غير مؤهلين مهنياً ولا تقنياً لسوق العمل الذي لا يحتاج إلى خبرتهم. يعترف بعض هؤلاء بأنهم لو عرفوا أن سوق العمل سيقفل في وجههم لعزفوا عن الدراسة من أصلها.