إيلي شلهوبهنيئاً لمانموهان سينغ فوزه بثقة البرلمان قبل أيّام. بل هنيئاً لإدارة جورج بوش على هذه الخطوة التي تتجاوز في أبعادها الصراع على سلطة، لتطال المعادلة الجيو ـــ استراتيجية في منطقة آسيا ـــ المحيط الهندي. نصر حققه رئيس الوزراء الهندي بغالبية مريحة نسبياً، مقارنة بهشاشة ائتلافه الحاكم وحدّة الاصطفافات، وتقلّبها، عشيّة التصويت. غالبية جمعها بجهد جهيد، لم يوفر خلاله كل وسائل الابتزاز والإغراء، بينها الرشى بكل أنواعها.
جُهد مبرّر قياساً بالقضية الموضوعة على المحك: تحديد الوجهة الاستراتيجية للبلاد، مُعَبّراً عنها باتفاق تعاون نووي تم التوصل إليه مع واشنطن عام 2007، لكنه محل نزاع داخلي في نيودلهي.
حكاية بدأت قبل نحو 8 سنوات، مع تولّي بوش مقاليد الحكم. وقتها، كانت إدارته قلقة من تنامي قوة الصين، اقتصادياً وعسكرياً، وتبحث عن الوسائل للحدّ منها. اعتُمِدت مجدّداً نظرية الاحتواء، واتجهت الأنظار إلى الهند الصاعدة، «أكبر ديموقراطيات العالم»، والتي تبدو هي الأخرى قلقة من نمو أظافر «التنين»، رغم العلاقات الاقتصادية المتينة التي تربط بينهما. أطلقوا ما يُعرف حالياً بـ«استراتيجية الشراكة» وأخذوا يمدّون الجسور مع الفيل الآسيوي.
مقاربة مهّد لها بيل كلينتون، مثّلت انقلاباً في السياسة الخارجية الأميركية القائمة على «مقاطعة» هند جوهر نهرو، منذ السبعينيات. دُرتها الاتفاق الذي اعترفت واشنطن بموجبه ضمناً بهذا البلد دولة ذرية، رغم أنه لم يوقّع اتفاق حظر الانتشار النووي.
اتفاق، سوّقته كوندوليزا رايس، يُدخل الهند إلى الحظيرة الأميركية، من بوابة الإغراءات النووية، التي يمكن تثميرها في الاقتصاد. لكنه يطيح أمن البرنامج الهندي، عن طريق إلزام نيودلهي وقف التفجيرات وفتح منشآتها للتفتيش الدولي. كما يفرض عليها التعاون في ملفات متعددة، بينها إيران، وذلك تمهيداً لتعاون أوسع نطاقاً، يشمل الدفاع الصاروخي ومكافحة الإرهاب...
أمل واشنطن أن تصبح نيودلهي حليفتها الكبرى الثانية من خارج الأطلسي، بعد تل أبيب (للمفارقة، كلتاهما نوويتان خارج القانون الدولي). واقع يضيء الأحمر في باكستان، التي أطلقت، قبل أيام، أبا قنبلتها النووية عبد القدير خان من إقامته الجبرية.
شيء ما يجري في شبه القارة الهندية. على العقلاء، من عرب وفرس، أخذ الحيطة والحذر.