ناقش الطالب في معهد الآداب الشرقية في جامعة القديس يوسف فاروق رزق رسالة ماجستير عن «الصعوبات التي تواجه المدارس العادية من جراء دمج المكفوفين في الروضات والتعليم الأساسي»
فاتن الحاج
فرض دمج ذوي الاحتياجات الإضافية في المدارس العادية نفسه على الساحة التربوية العالمية، بحيث تحوّل دور مؤسسات التربية الخاصة في رعاية أطفالها من سياسة الفصل إلى الدمج الشامل. أما في لبنان فلا يزال معظم الأطفال «المعوقين» يعيشون العزلة في مؤسسات مختصة تديرها 66 منظمة غير حكومية تحت مظلة وزارة الشؤون الاجتماعية. ولم يشفع تدخل وزارة التربية منذ عام 1999 وانضمامها إلى الجهود الأهلية التي تعود تجربتها إلى أوائل الثمانينيات في إنقاذ تعليم هذه الفئة ومأسسة شؤونها حتى الآن. فقد بقي أكثر من 70% من المدارس الدامجة مدارس خاصة تتقاضى من «المعوقين» أضعاف التكاليف التي تأخذها من التلامذة العاديين مقابل توفير برامج التعليم المكيّفة، فيما يضطر الأهالي الذين تنقصهم الموارد المالية لإرسال أطفالهم إلى مؤسسة رعائية، ما يعني الاستمرار في حالة العزل.
هكذا، فإنّ قصور خطط الدمج الرسمية عن التعامل مع ذوي الاحتياجات الإضافية، ومن بينهم المكفوفون، دفع الباحث في معهد الآداب الشرقية في الجامعة اليسوعية فاروق رزق إلى إعداد رسالة ماجستير تعالج القضية تحت إشراف الدكتور افرام البعلبكي.
وتتركز إشكالية البحث على الصعوبات التي تواجه المدارس العادية من جراء دمج المكفوفين في الروضات والتعليم الأساسي من وجهة نظر معلمي المدارس العادية التي تدمج المكفوفين ومعلمي المدارس المختصة بتعليم المكفوفين.
وينطلق رزق في رسالته من تعريف مفهوم الدمج باعتباره «أسلوباً يجعل التعليم يتجاوب مع الاحتياجات التربوية للجميع، ويقضي بمشاركة ذوي الاحتياجات الإضافية في المدارس العادية، عبر إعادة التنظيم البنيوي للثقافات والسياسات المتبعة في هذه المدارس».
ويتوقف الباحث عند المتطلبات الاجتماعية للدمج، من الكشف المبكر عن الإعاقة، إلى التدخل المبكر الذي يحصر مضاعفاتها، والرعاية الطبية وتوفير الأجهزة والأدوية اللازمة، إضافة إلى الدور المساند للجامعات والهيئات غير الحكومية ووسائل الإعلام للنهوض بالدمج. أما المتطلبات المدرسية فترتبط، بحسب رزق، بتغيير اتجاهات أولياء أمور «المعوقين» وأهالي التلامذة العاديين الذين يخافون أن يكتسب أولادهم بعض العادات، والعاملين المتنوعين في المدرسة، وإعداد المدرسين العاديين لبرامج الدمج والمربين المختصين للعمل في المدارس العادية.
ثم إنّ المطلوب، يقول الباحث، تكييف المناهج الدراسية وتوفير غرفة المصادر لحصول «المعوّق» على مساعدة خاصة تعليمية أو إرشادية أو تدريبية، فضلاً عن تكييف البيئة المدرسية من المبنى إلى الملعب، من الصف إلى المختبرات، من وسائل التعليم إلى استراتيجيات التعليم الفعّال وفق مؤشرات: وقت التعليم الأكاديمي، انخفاض نسبة التلامذة إلى المعلمين، احترام التباين الثقافي، وتدريس يستند إلى إدارة صفية فعالة.
لكن متطلبات الدمج لا يمكن أن تتحقق، يستدرك رزق، من دون معرفة مشكلات «المعوقين» النفسية والانفعالية كمقدمة ضرورية.
ويطل الباحث على واقع الدمج في لبنان عبر تقديم مقاربات دمجية رسمية وأهلية، وصولاً إلى إقرار القانون 220 الخاص بحقوق ذوي الاحتياجات الإضافية. ويوضح هنا إشكالية مقاربة الدمج من الزاوية الحقوقية وغياب انسجامها مع المقاربة التربوية التعليمية، مشيراً إلى أنّ الجمعيات التي تهتم بالمعوقين هي هيئات نضالية تعنى بالحقوق وغير متخصصة بالتربية.
ويلفت من جهة ثانية، إلى أنّ النتائج الاجتماعية للدمج أهم من النتائج التربوية، بمعنى أنّ «المعوّق» قد يكون مرحباً به بين أقرانه، لكن إلى أي مدى يستفيد علمياً من التجربة؟
ويردف: «لا يمكن القول إنّ هناك تجربة ناجحة وأخرى غير ناجحة، لأنّ الدمج مسار طويل وتراكم خبرات يفترض العمل على إيجاد مدارس نماذج وإرساء ثقافة التدريب الحقيقي والتعليم المتعدّد المستويات».
ويستعرض رزق ثلاثة أنماط من تجارب دمج المكفوفين في المدارس العادية، الأول تمثله المدرسة اللبنانية للضرير ومؤسسة الهادي للإعاقة السمعية والبصرية، والثاني جمعية الشبيبة المكفوفين والمدرسة الأهلية، والثالث معهد الهدى التابع لمؤسسات الرعاية الاجتماعية ويعرف بالدمج المعاكس.
ثم يصل إلى الصعوبات التي تعانيها المدارس الدامجة في لبنان والمتمثلة بعدم معرفة هذه المدارس بمفهوم الدمج، وغياب التدريب الكافي للعاملين مع المكفوفين وتركيز هذه المدارس على كلفة الدمج وتجاهل الإفادة الكبيرة للمعوقين والعاديين ومجتمع المدرسة كله.
ويلاحظ الباحث غياب التخطيط التربوي وانعدام التعاون بين المدارس والمنظمات التي تهتم بالعمل مع المعوقين، وخوف المدارس على سمعتها، والمشكلات المادية التي تعانيها، وغياب التشريعات والسياسات التي تلزم المدارس بالدمج، علاوة عن مشكلات المنهاج والقدرة على تنمية المهارات التي يحتاج إليها المكفوف.
ويخلص رزق إلى أنّ جهود التربية الدامجة لا تتوقف عند المدرسة بل يقتضي توسيعها لتشمل المستوى الجامعي. وتتماشى هذه الحاجة مع القول إنّ الأشخاص ذوي الإعاقات يحتاجون إلى فرص التعليم العالي ليكسبوا مؤهلات أفضل ومهارات أكثر صلاحية لسوق العمل ويحسّنوا وصولهم إليه.


الدراسة الميدانية