خالد صاغيةراجت أخبار في اليومين الماضيين بشأن صياغة البيان الوزاري، مفادها أنّ ثمّة خلافاً على مقاربة الملفّ الاقتصادي لا يقلّ أهميّة عن التباينات التي شهدها نقاش ملفّ سلاح المقاومة. وقد استدعت هذه الأخبار استنكاراً عارماً من جهات سياسية عديدة. وتستبطن هذه الاستنكارات واحداً من موقفين:
الأوّل يملك نظرة دونيّة إلى الموضوع الاقتصادي ــــ الاجتماعي، بوصفه ملفّاً لا يمكن له أن يرقى إلى درجة تأخير صدور البيان الوزاري. فبيان كهذا يُعرقَل نتيجة اختلاف على حصص الطوائف في توزيع وظائف الدرجة الثالثة، أو نتيجة ضغوط تمارسها دول على وكلائها في لبنان، أو نتيجة صوت انتخابي ضائع هنا أو هناك... أمّا أن يتأخّر بيان وزاري بسبب المستوى المعيشي المتدنّي لغالبيّة المواطنين، وبسبب التضارب في النظرة إلى السياسات الواجب اتّباعها في هذا المجال، فأمر لا تقوى الأذهان المتّقدة على تحمّله.
الموقف الثاني يبدو للوهلة الأولى نقيض الأوّل. فهو لا يحمل نظرة دونيّة إلى الملفّ الاقتصادي ــــ الاجتماعي، بل يراه شديد الأهميّة. وبوصفه كذلك، لا يحقّ إلا لـ«محبّي الحياة» التعاطي به. لقد احتكروا هذا الملفّ قرابة خمسة عشر عاماً، ولا يحقّ لسواهم التعدّي عليه اليوم تحت أيّ ذريعة. طبعاً، هناك انتقادات كثيرة على الأداء الاقتصادي لحكومات الحريري والسنيورة، لكنّها كلّها انتقادات صادرة عن «كارهي الحياة»، أولئك الذين تسوّل لهم أنفسهم الدفاع عن حقوق الفقراء، أولئك الذين يتحدّثون عن نظام أكثر عدلاً. أمّا محبّو الحياة، فينظرون إلى اليخوت وروّادها، إلى المباني الشاهقة وسكّانها، إلى المصارف والمودعين فيها، ينظر بعضهم إلى بعض ويقولون: «الحياة جميلة يا صاحبي!».
لا ينزّه ذلك طبعاً معارضين سابقين يودّون حقّاً استغلال الملف الاقتصادي لتحقيق مآرب أخرى، وهم الذين تحوّلوا إلى يساريّين راديكاليّين في خطاباتهم خلال السنتين الماضيتين، ولا يتورّعون الآن عن التوقيع على أيّ سياسة اقتصاديّة، شرط تحقيق مصالحهم السياسيّة.
النقاش الذي فُتح في شأن السياسات الاقتصادية ينبغي ألّا يُقفَل. ما سُمّي «إصلاحات باريس ــــ 3» ليس إلا حلقة إضافيّة من سياسات الانحياز الطبقي. على هذه السياسات أن تتوقّف.