فداء عيتانيلا تقبل ثقافتنا السياسية أن يتحوّل الفلسطينيون في لبنان إلى ضحايا، ولا أن تنظر إلى الجهاديّين كأناس ذوي رجاحة عقل وتأنٍّ في المواقف. فلم تقبل الثقافة المحلية صورة الفلسطيني الضحية للعنف اللبناني في نهر البارد، ولم تقبل صورته كضحية في صراع لا ناقة له فيه ولا جمل. غير أنّ الفلسطينيّين في لبنان قد تحوّلوا فعلاً إلى ضحايا، ليس فقط في نهر البارد، بل منذ أن اتّخذت منظّمة فتح في عين الحلوة قراراً بمواجهة دخول الجيش اللبناني إلى الجنوب بعد اتفاق الطائف، في عام 1991. ولا تزال الدعاية السياسية اللبنانية ترى في الفلسطينيين مشروع تآمر. حتّى طرح ملفّ التوطين يأتي من زاوية الشك في نيّات الفلسطينيين، علماً أن هذا الشعب أحق بالقلق من النيّات اللبنانية، منه بإثارة الشكوك.
ولا تقبل ثقافتنا السياسية، الخفيفة والعنصرية في آن واحد، أن تتحوّل المنظمات الفلسطينية الجهادية إلى قوى تهدئة أكثر عقلانية من القوى الفلسطينية الرسمية التي تمثّل الوجه الآخر لحكومة (حكومات) فؤاد السنيورة. فكيف يمكن قوى أتت إلى السلطة بصفتها وكيلة لتفليسة وإدارة بيع بالوكالة أن تقيم فهماً لتطوّر قوى (راديكاليّة) إسلاميّة متوازنة في رؤيتها للمصالح والإمكانات الموضوعية؟ وكيف يمكن قوى تستمدّ استمرارها من ديناميّات خارجية أن تشهد على تنامي الديناميات الداخلية والخارجية لقوى إسلاميّة سلفيّة وجهاديّة؟ تستسهل السلطات المحلية الشراكة مع القوى الفلسطينية الشبيهة بها من حيث البنية والتبعية، للقيام بعمليات تصفية تذكّر في النهاية بما حصل في مخيم البداوي قبل أشهر من انفجار نهر البارد.
لن يدفع الفلسطينيّون وحدهم ثمن ما يعَدّ له في مخيم عين الحلوة. كما أن الشماليين لن يدفعوا بمفردهم ثمن ما يحصل في طرابلس. وفي مكان ما، على الثقافة السياسية في هذه البلاد أن تذهب خطوة إلى الإمام، في فهم قوى وحركات أصبحت أكثر عقلانية وبراغماتية من محمود عباس ونعمة الله أبي نصر معاً. على هذه الثقافة أن تفهم أنّ الضغط على الجهاديّين لن يولّد إلا الانفجار.