محمّد خواجه*في الآونة الأخيرة، تراجعت التهديدات الأميركية لإيران. وباتت مفردات مثل التحفيز والإغراء والتعاون تغلب على تصريحات مسؤولي البيت الأبيض، وإن أرفقت بعبارة وقف التخصيب. ما جعل المتابعين للملف الإيراني يسقطون من حسابهم فرضية الحرب، أقله في المدى المنظور. لكن يبدو أن «التعقلن» الأميركي، لا ينطبق على الموقف الإسرائيلي؛ فالدولة العبرية تصنّف إيران في مقدمة أعدائها، وترى تحولها إلى قوة نووية خطراً وجودياً ضدها. وقد صرح أولمرت بأن بلاده لن تسمح لطهران بامتلاك القدرة النووية.
في هذا السياق، أجرى سلاح الجو الإسرائيلي، مطلع شهر حزيران الماضي، مناورة جوية كبيرة، اشترك فيها ـــ بحسب صحيفة نيويورك تايمز ـــ أكثر من مئة مقاتلة (أف 16 و18)، قامت بتدريبات فوق اليونان وفي شرق البحر الأبيض المتوسط، ترافقها طائرات ـــ صهريج، لتزويدها بالوقود في الجو. كما شارك في المناورة عدد من المروحيات، للتدريب على التقاط الطيارين، في حال إسقاط طائراتهم. قطعت تلك المقاتلات 1500 كلم تقريباً من دون توقف، أي ما يعادل المسافة بين فلسطين المحتلة والمفاعل النووي في نتانز ذهاباً وإياباً.
لا يبدو أن استعمال القوة ضد الجمهورية الإسلامية موضع إجماع في القيادة الإسرائيلية. فمن جهة، يعكف الجيش الإسرائيلي، وخاصة سلاح الجو، على استكمال الاستعدادات، لتأمين الجهوزية إذا اتّخذ القرار بهذا الشأن. ومن جهة أخرى، يعتقد العديد من القادة العسكريين أن لا قدرة لديهم على توجيه ضربة حاسمة، وأن المجازفة ضخمة، لأن الإيرانيين سيردون بقوة داخل إسرائيل وخارجها...
يتفق الخبراء العسكريون على استبعاد الخيار الإسرائيلي البري في الحرب المحتملة، واقتصارها على الجهد الجوي بشكل رئيسي. لهذا سندقق بقدرة سلاح الجو الإسرائيلي على تنفيذ المهمة الموكلة إليه: تملك إسرائيل حوالى 425 طائرة من أنواع (أف 15 ـــ 16 ـــ 18) القادرة على الطيران إلى مسافات طويلة. وبما أن احتمال توسع الحرب باتجاه الجبهتين السورية واللبنانية قائم، فستضطر الدولة العبرية لإبقاء ثلث تلك القوة ـــ على أقل تقدير ـــ في قواعدها، لحماية أجوائها واستخدامها ضد الأهداف المعادية في آن واحد. بهذا تصبح القوة الباقية لتنفيذ الضربة أقل من 300 طائرة، والتي ستغير على عشرات المواقع «النووية»، جزء منها خفي عن الأنظار، وجزء آخر تحت الأرض. وقبل ذلك عليها مهاجمة وسائل الرد الإيراني، ولا سيما منصات الصواريخ البالستية التي ستستهدف العمق الإسرائيلي خلال 15 دقيقة من بدء العمليات. إضافة إلى ضرب مقرات القيادة والأركان والثكنات العسكرية وبطاريات الصواريخ المضادة للطائرات وغيرها.
يدرك الإسرائيليون عدم وجود أوجه شبه بين ما حصل في أجواء لبنان إبان حرب تموز 2006، وما سوف تتعرض له طائراتهم المهاجمة؛ فإيران تملك مئات منصات الصواريخ المضادة للطائرات من الطرز الحديثة، مثل تور أم1 المخصصة لرمي الأهداف المنخفضة، وبانستير وغيرها، وهناك معلومات عن حصولها على صواريخ أس300 الروسية، المخصصة للتعامل مع الأهداف المرتفعة والبعيدة. وإذا صحت تلك المعلومات، فسوف تلتوي ذيول الطائرات الإسرائيلية في سماء إيران. وتبقى الجبهة الداخلية هي المسألة الأعقد، بالنسبة إلى الدولة العبرية؛ إذ يقدر الخبراء أن تجربة صواريخ المقاومة في صيف 2006 ستبدو «لعبة أطفال»، بالمقارنة مع النيران الإيرانية التي ستصلي المدن والبلدات الإسرائيلية، لا سيما أن المنظومات المضادة للصواريخ مثل القبة الحديدية والعصا السحرية، ما زالت في طور التجربة، وتحتاج إلى سنوات لكي تدخل الخدمة الفعلية. كما أنه من غير المستبعد أن تتعرض المصالح الإسرائيلية واليهودية في العالم للهجمات العدائية، في حال نشوب الحرب...
من ناحية أخرى، من يضمن ألا يؤدي تطور الأحداث الى انخراط سوريا والمقاومتين اللبنانية والفلسطينية كافتراض في النزاع الحربي، فهذه القوى تدرك أنه إذا أخضعت إيران فستكون هي الهدف التالي على «الأجندة» الأميركية الإسرائيلية. ولا شك في أن دخولها المعركة إلى جانب إيران سيعرّضها للانتقام الإسرائيلي، لكنها ستلحق بالدولة العبرية وجيشها خسائر جسيمة. ولهذا سيناريو آخر...
في المقابل، من غير المستبعد أن تنجر الولايات المتحدة، الملتزمة بأمن إسرائيل، إلى حلبة الصراع. عندها، ستتوسع دائرة الحرب لتشمل العراق ومنطقة الخليج، في حال إقفال مضيق هرمز الذي يمر عبره 40% من استهلاك العالم النفطي، ما سيعرّض الاقتصاد العالمي إلى أزمة لم يشهدها من قبل، فضلاً عن الأرقام الخيالية التي سيبلغها سعر برميل النفط. بتقديرنا هذه العوامل وغيرها، تمثّل عامل كبح لجموح إسرائيل، وتجعلها تفكر ملياً قبل القيام بعمل عسكري ضد إيران، مع بقاء فرضية المغامرة الإسرائيلية واردة، ويجب ألا نسقطها من الحسبان.
* باحث في الشؤون العسكريّة