بنت جبيل ـ داني الأمينبين فصل الربيع وفصل الصيف، ينتقل الجنوبيون من وادي الحجير، الذي يفقد جزءاً من بريقه مع حلول الصيف وجفاف مياه نبعه، إلى «نهر» قعقعية الجسر، حيث مياه الليطاني الغزيرة تغيّر مزاج الأهالي وتشعرهم بالراحة. هناك تنتشر المطاعم والاستراحات وكروم الحمضيات، وتمتلئ الأماكن بالمتنزهين والسياح الذين يتوزعون على المطاعم المتعدّدة.
بعض هذه المطاعم يمتنع عن إطلاق الموسيقى الصاخبة، تماشياً مع الذوق العام والتقاليد الدينية، وبعضها الآخر يحاول التمرّد على ذلك لاستقطاب السياح من خارج المنطقة أو من الذين لا يلتزمون تلك التقاليد.
تدخل أحلام، وهي فتاة ترتدي الحجاب، وتطلب من إبراهيم، صاحب إحدى الاستراحات أن يغير نوع الموسيقى لأنها تتناقض مع التزاماتها الدينية فيعدها خيراً. مباشرة يدخل شاب طويل الشعر ليطلب الموسيقى الصاخبة، فيوعَد أيضاً بتلبية طلبه. يقول إبراهيم: «علينا أن نلبي طلبات الجميع في الوقت عينه، خوفاً من فقدان الزبائن، فيوجد هنا 18 استراحة، وجميعها تتنافس على استقطاب المتنزهين والسياح الذين يأتون من كل المناطق اللبنانية». إبراهيم، كما يقول، لم يغير الأسعار رغم الغلاء الفاحش، فهو سيخسر قليلاً، لكنه سيربح زبائن أكثر، لافتاً إلى أنه استأجر المكان من صاحب الأرض بعشرين مليون ليرة سنوياً، وتكلّف عشرات الآلاف من الدولارات على ترتيبه وتجميله بما يلبي مزاج الزائرين الذين يرتاد بعضهم الاستراحات محمّلين طعامهم الخاص، ما يخفّف عليهم الكلفة المادية. ويسمح أصحاب الاستراحات بذلك، فالمهم أن يأتي الزبائن ويدفعوا بدل نزولهم عندهم.
في قعقعية الجسر يلتقي أبناء منطقة النبطية مع أبناء منطقتي مرجعيون وبنت جبيل. تعقد الدبكة في كل مكان، ويشارك فيها الجميع قرب المياه المتدفقة القريبة من أغلب القرى والبلدات، لكنها لا تصل إلى البيوت، كما يعبّر الطفل ضياء محدثاً والدته: «انظري إلى هذه المياه الكثيرة تمرّ من هنا ولا تصل إلى منازلنا، نحن نخاف من استخدام المياه في منازلنا رغم أنها تذهب جميعها إلى البحر».
يعاني أغلب الأهالي في تلك المناطق نقص المياه، وباتوا يتكلفون شهرياً عشرات الآلاف لشرائها بعدما ارتفعت أسعارها ليصل سعر نقلة المياه الكبيرة إلى 90 ألف ليرة. وفي بلدة شقرا يلجأ جميع الأهالي اليوم إلى شراء المياه من الآبار الارتوازية البعيدة عن البلدة، رغم أن الجميع مشتركون في خدمة مياه الدولة ويدفعون ما يجب عليهم من اشتراكات (210 آلاف سنوياً)، لكن هذه المياه تصل مرة في الأسبوع أو مرتين على الأكثر لمدة ساعة واحدة من دون أن يعرفوا سبباً لهذا التقنين القاسي، ما دامت الكهرباء تأتي بما يكفي لملء الخزانات التي توزع المياه على القرى.