راجانا حمية سُئلت طالبتان سويديّتان في الجامعة الأميركيّة في بيروت عن انطباعاتهما عن الشباب اللبناني فأجابتا: «لديهم قاسم مشترك، ضياعهم من حيث الهويّة الثقافيّة». استعانت أستاذة التربية في الجامعة الأميركية نجلا بشور بهذا المثل لتقدّم مقاربتها موضوع الهوية الثقافية «هاتان الفتاتان الغريبتان لم تعرفا لبنان من قبل، لكن فصلاً دراسيّاً واحداً فيه كان كافياً لنبش الضياع الذي يعانيه غالبيّة الشباب الغارقين في دوّامةٍ من الهويّات الثقافيّة المتضاربة».
كان هذا المثال عنوان ورشة العمل الوطنية الأولى التي نظمتها أمس وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع المجلس الأعلى للطفولة في الأونيسكو، وشارك فيها مجموعة من التربويين والجامعيين وممثلي وزارات وهيئات مدنية. وقد انطلقت الوزارة في محاولة توضيح ماهية الهويّة الثقافيّة لدى جميع الفئات، ولا سيّما الأطفال، من الهويّة اللبنانيّة إلى العربيّة، التي تكفّلت لجنة الطفولة في جامعة الدول العربيّة العام الماضي وضع مسوّدة مبادئها التوجيهيّة تحت عنوان «ترسيخ الانتماء ودعم مقوّمات الهويّة العربيّة لدى الطفل».
غير أنّ المسودة التي وضعتها اللجنة بهدف توحيد الانتماء العربي يعوزها عدد من التعديلات أقلّه في لبنان المختلف في بيئته وهويّته. من ناحية ثانية يحتاج لبنان، قبل تبنّي هذه المبادئ أو مناقشتها، إلى توضيح هويّته الوطنيّة وتوحيدها بعد تشتّتها بين مجموعة هويات اخترقت حدوده، علماً أن لبنان يواجه صعوبة كبيرة على صعيد النواحي الخمس التي تطرّقت إليها المسوّدة وهي: تعزيز وترسيخ الهويّة عبر مناهج التربية والتعليم، دور الأسرة والإعلام والمؤسّسات الثقافيّة والمجتمع المدني والأطر النظريّة والفلسفيّة للهويّة.
وفي ما يخصّ الأسرة لحظت ورشة العمل أن مقوّمات تدعيم الهويّة والانتماء تغيب عن حياة الكثير من الأسر إن كان من حيث اللغة أو العقائد الدينيّة أو التراث والعادات الثقافيّة يضاف إليها تنشئة الطفل على ثقافة أخرى بعيداً عن ثقافته المحلّية. ولعلّ الطامّة الكبرى التي تستهدف هذه الهويّة تأتي من المؤسسات التربوية، حيث تعاني مناهج غالبيّة المؤسّسات نقصاً كبيراً في المعلومات عن لبنان بشكلٍ عام ومعالمه وخصائص أبنائه وإبداعاتهم الفنّية والأدبيّة والعلميّة وانعكاس ذلك على سلوكهم ورغباتهم.
كما لم تنجُ مسودة الهويّة العربيّة من النقد لجهة بعض «المصطلحات الفضفاضة والخلط بين مفردات الهويّة القومية والعربيّة... وخصائص المجتمعات»، حيث عمدت مجموعات العمل إلى تبيان الحاجات اللبنانيّة من مسوّدة الهويّة العربية. وبيّنت هذه المجموعات أنّ تعزيز الهويّة يتطلّب تكاملاً بين أدوار الأسرة والإعلام والثقافة والمجتمع المدني والمؤسسات التربويّة، على أن تبدأ المرحلة الأولى من الأسرة المسؤولة عن تنقية الانتماء ودعم الهويّة.
ولعلّ الدور الأبرز في الانتماء العربي يقع على عاتق الإعلام المطالب بحلّ معضلة اللغة عبر اعتماد لغة عربيّة فصحى مبسّطة منفتحة على الآخر مع الحفاظ على خصوصيّتها. وفي ما يخصّ البرامج، فقد اقترح المجتمعون الاعتماد في بعضها على بيوت إنتاج مستقلّة، يكون للأطفال والشباب الجانب الأبرز في إعدادها، وتغليب البرامج الهادفة على برامج الكسب المادّي وإنتاج برامج تحاكي قصص رجالات العرب المبدعين وأخرى مشتركة للأطفال تلبي النقص المعرفي عندهم، إضافةً إلى إعادة النظر ببعض القوانين والتشريعات الإعلاميّة الخاصّة بموضوع الطفل واللغة والهويّة.


المناقشات التمهيدية

انطلقت وزارة الشؤون الاجتماعية والمجلس الأعلى للطفولة في الورشة الوطنيّة الأولى من التوصية التي وضعت على أساسها لجنة الطفولة في جامعة الدول العربية
مسودة المبادئ التوجيهية بشأن دعم مقومات الهوية لدى الطفل. وكان قد سبق الورشة اجتماع في دمشق، ناقش خلاله الخبراء المعنيّون بإعداد المبادئ بعض الأوراق المقدّمة من بعض الدول العربيّة والمسوّدة المقدّمة من رئيس فريق الخبراء، التي تتعلّق بالتعديلات. وشارك في الاجتماع، الذي عُقد في التاسع عشر من نيسان الفائت، 35 خبيراً من 13 دولة عربيّة، لم يكن لبنان من ضمنها.
يُذكر أنّ الجامعة العربيّة قد طرحت فكرة توحيد الهويّة العربيّة وترسيخ الانتماء في اجتماع الدورة الثالثة عشرة العام الماضي في العاصمة السعوديّة الرياض.