أنهت جمعية «مسار» مخيّمها الصيفي في بيت عنيا ـ حريصا، حيث خاضت مجموعة من المتطوعين تجربة مزجت بين الثقافة العامة وموضوعات «المحرّمات» والتعبير الفني. وأنتج الشباب ثمانية أفلام عكست مواقفهم من البيئة والثقافة الجنسية والمخدرات والطائفية والمشكلات الحزبية...
حريصا ـ رندلى جبور
تجمّع خمسون شاباً وشابة في صالونات المدخل الرئيسي لبيت عنيا ـ حريصا ينتظرون مشاهدة أفلامهم القصيرة الثمانية التي أنتجوها خلال الأيام الخمسة من مخيم «نحو حاضر أفضل».
لم ينل التعب من حماسة الشباب، رغم «أننا ما كنا ننام بس كنا نفيق»، ويبادر كل منهم على طريقته للكلام على مشاركته في المخيم الذي نظمته جمعية «مسار»، بالتعاون مع جمعية فريديريش إيبيرت.
يفصح «leader» فرقة بلدة بزقّين عن اتفاق لم تكن تعرفه المجموعة كلها: «سنستضيف في بيوتنا كل من يرغب في المشاركة في موسم قطاف الزيتون»، ويخبر محمد بشغف عن «ربطة شعر» سامي حواط التي احتفظ بها، إضافة إلى رسالة منه في السهرة الموسيقية التي أحياها حواط الذي كان يحلم محمد بمقابلته. أما فاطمة فلم تكترث للفوضى في «الصالون»، فشرعت تتحدث عن أهمية التغيير الذي أحدثه المخيم لجهة كسر الحواجز المناطقية والطائفية والسياسية وتخطي الأفكار المسبقة وتوسيع الآفاق، وخصوصاً أنّ المشاركين أتوا من زبقين وصدّيقين في صور وصيدا القديمة وبرج البراجنة وشكا والكورة وكوسبا وزغرتا.
هكذا خاض الشباب تجربة مزجت بين الثقافة العامة وموضوعات «المحرمات» والتعبير الفني الذي «يكسر» خجلهم، فيقولون على خشبة المسرح ما لا يمكنهم قوله على «خشبة الحياة».
من جهتهما، يشرح المسؤولان في جمعية «مسار» رانيا السبع أعين وكمال شيا أنّ الهدف من المخيم تمكين الشباب وتنمية قراهم في مختلف القطاعات، من بيئة وصحة وزراعة ومجتمع، كذلك فهو يتوجه إلى شريحة واسعة من المستهدفين كالمرأة والطفل والمسنين وغيرهم، فضلاً عن تبادل الخبرات واللقاء من خلال الاختلاف.
وبين التعبير الفني والثقافة العملية والنظرية، دخل شباب المخيم الذي بلغت كلفته 25 ألف دولار بين منامة ومأكل ورحلات وسهرات وأجرة تسعة متخصصين في مجالات مختلفة، نمطاً جديداً من الحياة. فقد دربتهم اليازا والصليب الأحمر والدفاع المدني على كيفية إنقاذ مصابي حوادث السير بتمرينات محاطة من كل الجوانب فكان كسر الزجاج و«السحب» وطريقة الوضع على «الحمالة» و«الغطاء» وغير ذلك، وبدوا قلقين بعد حديث الزميل حبيب معلوف عن مخاطر الانحباس الحراري، وباشروا بتوفير رمي النفايات والاهتمام بتفاصيل دقيقة كانوا يجهلونها قبل المحاضرة «انتبه اشرب بالكوب نفسه»، «ضع البلاستيك مع البلاستيك والورق مع الورق»، «أطفئ النور فور خروجك من الغرفة»...
«أحلى رفقة بالعالم» تعرفوا أيضاً إلى مفهومي النظام السياسي والعولمة قبل أن يغادروا على أمل اللقاء القريب والعمل المشترك بعد «رحلة في جبال لبنان»، تبادلوا الرسائل والبريد الإلكتروني لكل منهم «لأننا صرنا أكثر من أصدقاء». ويستذكرون تلك الليلة التي لا تنسى حيث صلّوا معاً مسيحيين ومسلمين في سيدة لبنان في حريصا.
انتهى المخيم الثاني لجمعية «مسار» مع الوعد بأن يصبح سنوياً، وبدأ العمل في المناطق بعدما بات الشباب جاهزين لنقل المعلومات والأفكار والثقافة التي اكتسبوها إلى أبناء قراهم، إضافة إلى البدء بتخطيط المشاريع وتنفيذها، وهي مهارة اكتسبوها أيضاً في مخيم يسعى إلى تحسين الحاضر ليكون المستقبل أفضل، متبنين بذلك ما قاله الشاعر سعيد عقل يوماً: «أنا قلت الآن الآن وليس غداً لأني عارف ومتأكد أنه إذا ما إجوا الآن ما رح يجو غداً».


تعبير درامي

تعطي الفنانة زينة دكاش «أوامرها» بحيوية غريبة في جلسات التعبير الدرامي: «خلي جسمكم neutre» و«ما تسرقوا الأفكار». عصفت ريحها للنعسان والجوعان والزهقان قبل أن تبدأ التمرين المسرحي الأول «لعبة القتل بالغمزة» التي يعبّر فيه الشباب عن دراما الإجرام والموت. في اليوم الأول كان التفاعل بطيئاً وغير كافٍ على عكس ما بدا واضحاً فور تأقلم الشباب والصبايا و«غلّة» الجلسات الفنية والتعبير مع عبدو نوار ثمانية أفلام عن الحفاظ على البيئة والثقافة الجنسية وإزالة الـ«tabou» والمشكلات الحزبية والمخدرات. وكان الموضوع الأهم بالنسبة إلى «الطلاب الجدد في الفن» هو الطائفية التي جسّدوها من خلال شخص يرتدي كل الشعارات الدينية ويستطيع خلعها بسهولة إذا أراد.