مشهد يتكرر مئات المرات يومياً: يقترب شاب من دراجة نارية. يجلس على مقعدها، ويدخل المفتاح في مكانه. يشغلها، وينطلق بها. الشاب الهادئ قد يكون سارقاً. فالسارقون يؤكدون أنهم لا يحتاجون في عملهم إلا إلى بعض الجرأة
كمال شعيتو
«دخل شاب إلى الحي عصراً بثقة من يدخل إلى منزله. مشى بهدوء وألقى التحية على عدد من السكان الجالسين عند مدخل أحد الأبنية. توجّه إلى مكان رُكِنَت فيه دراجتان ناريتان. جلس على مقعد إحداهما، أمسك المقود، وبمفتاح شغّل الدراجة، ثم رحل من دون أن يكترث له أحد». هكذا يروي نبيل، وهو أحد سكان الضاحية الجنوبية لبيروت، كيف سُرقت درّاجة أمام عينيه، من دون أن ينتبه أحد.
تزداد الشكاوى من سرقة الدراجات التي يرى أصحابها أنّها تحصل بسهولة مطلقة، ولا تقتصر على منطقة دون أخرى. ففي شارع فردان، يروي أحمد كيف ركن درّاجته أمام المبنى الذي يعمل فيه. على بعد أمتار قليلة من المكان، يقف شرطي سير بشكل دائم. نزل أحمد بعد أربع ساعات، فلم يجد دراجته. سأل أحد سائقي سيارات الأجرة الموجودين في المكان، فردّ عليه: «هيدا إلك؟ جاء شابان قبل قليل وشغّلاه ثمّ رحلا». كانت الساعة تشير إلى الرابعة بعد الظهر.
يؤكد مصدر أمني في أحد مخافر قوى الأمن الداخلي تزايد عمليات سلب الدراجات النارية، وهو ما يوافق عليه نحو مئة سائق دراجة نارية التقتهم «الأخبار» على مدى الشهرين الماضيين في بيروت والضاحية الجنوبية، إلّا أن عدد المحاضر الرسمية يكاد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة شهرياً، إذ إن غالبية الدراجات النارية المسروقة غير مسجلة لدى مصلحة تسجيل السيارات والآليات في هيئة إدارة السير والآليات والمركبات التابعة لوزارة الداخلية والبلديات.
السارقون، كالمسروقين، يقرّون بسهولة عمليّة السرقة. أحمد، عيسى، وإبراهيم. شبان لم يتعدَّ عمر أكبرهم الثامنة والعشرين. وبسبب الفقر، لم يكمل أي منهم دراسته بعد الصف الأول من المرحلة المتوسطة. عائلة عيسى مؤلفة من 6 أفراد. والده مريض، ووالدته تعمل من دون أن تتمكن من إعالة أبنائها وزوجها. كان عيسى عاطلاً عن العمل، فلم يجد غير السرقة لتأمين قوته ومساعدة أهله. أحمد كان يعمل في مطبعة، وإبراهيم عامل توصيل في مطعم. لكن الراتب لم يكن يكفي لتأمين المصروف اليومي. كانوا قد حوكموا سابقاً بتهمة سرقة درّاجات نارية ضمن محافظة جبل لبنان، وخرجوا من السجن منذ مدة قصيرة عائدين لمزاولة العمل ذاته. يصف أحمد «مهنته» قائلاً: «السرقة لم تكن صعبة بالنسبة إلينا. كل ما يحتاج إليه المرء هو الجرأة والسرعة في الأداء». ويتابع: «بدأت هذه الأعمال منذ أن كنت في السادسة عشرة، حين كنت أتباهى أمام بعض الرفاق أنني أستطيع تشغيل إحدى الدرّاجات المتوقفة إلى جانب الطريق».
يشرح أحمد أنّ تلك العملية لا تستغرق أكثر من 3 دقائق، إذ يعمد إلى فك إحدى «الفِيَش» الموجودة في مقدمة الدراجة و«ضرب المانيفيل» ثم الانطلاق. هنا يتدخّل إبراهيم ليفسر أن الدراجات أنواع: منها القديمة، ومنها الحديثة كالـ«فري واي» أو الـ«فور سايد»، وتختلف صعوبة سرقة الدراجات بحسب نوعها. فالدراجات الصغيرة كالـ«جوك» والـ«غاما» والـ«أرتيستيك» تعدّ من أسهل الأهداف، إذ يسهل تحرير المقود إن كان مقفلاً من خلال «خبطتين أو ثلاث خبطات، على عكس القفل». أما لتشغيل الدراجة، فيكفي «كسر واجهة الدراجة جانبياً أو فك برغي واحد» لتسهيل تمرير اليد كي تحرر أسلاكاً كهربائية معيّنة تخوّلك تشغيل الدراجة. هنا يقاطعه عيسى ليقول إن الصغار والكبار يدرون بهذا الأمر، لكن الفكرة تكمن في جرأة التنفيذ في وضح النهار أو الليل.
تختلف الخطط الآيلة للحصول على الدراجات الكبيرة. يقول عيسى: «يربط أغلب الناس دراجاتهم بسلاسل مختلفة السماكة، لكن ذلك لا يصعّب السرقة بوجود مقص الحديد. تستلزم العملية 10 ثوانٍ كحد أقصى لقص الجنزير». وماذا إذا تعقّد الأمر وصَعُب تشغيلها؟ يجيب عيسى: «في أقسى الظروف نستعين بشاحنة صغيرة (بيك أب) لتحميل الدراجة وأخذها إلى مكان آمن حيث نعمل براحتن».
ويكشف أحمد أنه سبق له ولزملائه أن استخدموا «المفتاح السحري» الذي يؤكد أنه موجود في السوق السوداء التابعة لعصابات السرقة. أما عن مصدر هذا المفتاح، فيكتفي بالقول: «جايي من برا». يقاطع إبراهيم الحديث: «للأسف ضاع هذا المفتاح ولم نستفد منه إلا لأسبوعين».
لكن، ماذا بعد سرقة الدراجة؟ يبادر عيسى للإجابة بأن أمراً من ثلاثة يحصل. الأول أن تفكك الدراجة وتباع قطعها للأفراد بأسعار مقبولة. الثاني أن تباع الدراجة إلى المحال التي تروّج للدراجات المسروقة «وما أكثرها»، فيما الحل الثالث هو الاتصال بصاحب الدراجة لشرائها بأقل من سعر السوق، لكن «قلّما ينجح هذا الأمر».