بيار أبي صعبلا شك في أن الولايات المتحدة تشهد تحوّلاً حقيقياً، كي لا نقول ثورة ثقافيّة: لقد بات رأيها العام مهتمّاً بما يحدث خارج حدود أميركا. قد يكون هنا الفضل الوحيد للرئيس جورج بوش على شعبه، لولا أن ثمنه جاء باهظاً بعض الشيء. والمرشّح الديموقراطي باراك أوباما هو أوّل من استخلص العبر من هذا التحوّل، كما تشهد جولته الأخيرة بين الشرق الأوسط وأوروبا. في عزّ الحملة الانتخابيّة الأميركيّة، اختار أوباما أن يخاطب مواطنيه عن بُعد، ليسمعوه بشكل أفضل: أرأيتم؟ العالم كلّه يكره بوش و... يحبّني! في برلين، كاد يظنّ نفسه جون كيندي وهو يخطب أمام مئتي ألف ألماني، في المركز الرمزي للقارة القديمة. خيّل لكثيرين، وسط تلك الحفاوة، أنّ الـ«سوبرستار» الذي أمامهم هو الرئيس الأميركي المنتخب، فاضطرّ إلى التذكير أنّه ليس كذلك. لكن من يعلم؟
العالم ينتظر بفارغ الصبر أن يزاح عن صدره كابوس جورج بوش والمحافظين الجدد، علماً أن شعبيّة أوباما الأوروبيّة، لا تنسحب بسهولة على واقع الحال داخل أميركا. لكن مهلاً: ماذا لو كان المرشح الأسمر الذي علّقت عليه آمال «التغيير»، مثل سلفه في نهاية الأمر، لكي لا نقول أسوأ منه؟ هل ستتوقّف أميركا، مع أوباما، عن النظر إلى نفسها بصفتها القوّة المهيمنة على العالم... عبر آلتها العسكريّة أوّلاًً؟ إذا كان الرجل يلوّح باحتمالات الانسحاب من العراق، فهو يرى أن الحرب الصحيحة لا بدّ من مواصلتها في أفغانستان. أما بالنسبة إلى القضيّة الفلسطينيّة، فقد سمعناه في سديروت، يحيّي «المعجزة» الإسرائيليّة، ويؤكّد على أن القدس الموحّدة هي عاصمة اسرائيل. وقد خاطب إيران من باريس بلغة التهديد والوعيد، فهلّل بعض العرب الذين يقفون إلى يمين بوش، معتبرين أنه «مع ضرب إيران».
المرشّح الديموقراطي الذي أعلن أنّه مع حكم الإعدام، ومع الترخيص بحمل السلاح في بلاده، لماذا لا يكون أسوأ من بوش؟ هل كونه داكن البشرة ضمانة كافية؟ ألم نشهد بما فيه الكفاية، في السلطة، خلال العقود الأخيرة، نساءً أسوأ من الرجال، وسوداً يفكّرون كالبيض، و«يساريّين» يقومون بالأعمال القذرة التي لا يتجرّأ عليها اليمين؟.