عدنان محيدليأستميحك العذر سناء. أقبّل تراب ثراك. أعتذر بكل المقاييس والقيم، عذراً... عذراً.
كنتِ توّاقة لتراب عنقون. كنتِ مشتاقة لأزقة عنقون. كنتِ مشتاقة لراس الشرفة، والميدان، وحي الدنادشة حيث بيت جدك، وحارة الفوقا وطريق السكة، وكل طرق عنقون وشوارعها الضيقة. كنتِ مشتاقة للدكاكين وأصحابها وروّادها كل صباح. كنت مشاقة لأفران المناقيش كل صباح والصبية الصغار الفرحين في «كزدورة الصبح للفرن». كنت مشتاقة لصرخات ومماحكات الختيارية أمام الدكاكين من هرج ومزح وبسمة صبح.
كنت مشتاقة لصيف عنقون وسارعت الخطى وخرجت من مقابر الأرقام والغرباء في فلسطين المحتلة لتكوني حرة في عنقون، بلدتك وترابك وهوائك ووطنك الأزلي. لقد كان ما أردته، ووعد صادق أخرجك من سجن المقابر والغربة وأعادك إلى الوطن.
عذراً يا سناء، إنّهم أبناء من عنقون. ما كانوا على الوعد. في كل الأعراس فرح ولكن في عرسك نغّص الفرح. في كل المآتم وجل لكن في مأتم سناء كسر الوجل شراً. لكلّ الجثامين والشهداء وقفة خشوع وخجل ممن لم يكونوا على قدر الشهيد. لكن أمام جثمانك انحلّت القيم والأخلاق. في كل الشرائع وجب احترام الميت ودفنه لكن في شرعة بعض من عنقون كان الوضع مفزعاً. لم يسهل دفنك وتقهقرت رفاتك.
عذراً يا سناء. إنّهم صغار القوم. إنّهم شياطين التفاصيل. لم يتفق الساسة الكبار في تنظيم استقبالك على التفاصيل والحيثيات. كانوا يظنون أنّ عنقون خالية من الشياطين التي تكمن في التفاصيل. نعم ما كانوا يحسبون أنّ المهمش والمسبوق الدفع والعاطل عن كل شيء وحتى العميل سينبري ويتبجل في حب سناء حتى لو اضطرّ لقتلها بعد استشهادها، وهذا ما حصل.
قُتلت يا سناء وأنت شهيدة، خُرّب استقبالك وأنت شهيدة. جُرّحت كرامة الكبار والمحترمين في عنقون وأنت شهيدة.
داس الصبية الضالون على عظمة الحدث وأنت شهيدة. استفزوا مشاعر الشهداء والكرماء في عنقون وأنت شهيدة. انكسرت كرامة الضيوف والمحبين القادمين من كل لبنان لاستقبالك وأنت شهيدة. سُحبت السكاكين وأطلق الرصاص أمام جثمانك وأنت شهيدة. تباً للشياطين فلن يصلوا يوماً مرتبة في علوّ الشهيدة.
عذراً يا سناء، إنّهم أبناء من عنقون. لن يكون من خرّب عرسك شيئاًَ ولن يصبح شيئاً ولن يصل لشيء. غرسك ثابت في الأرض ودمك نبراس للشهادة مهما علت أصواتهم وصراخهم وقبحهم. وفستانك الأبيض غيرة كل الصبايا وكل عرائس الجنوب، وأهلك وبلدتك وإخوتك ورفاقك وأترابك وأحبابك كلهم عوض كبير عن تلك الحفنة الصغيرة الصغيرة. لا تأبهي، فإنّ من صنع النصر لا يخاف هوامش التاريخ وأنت صانعة نصر الأمة وشمس حريتها، ومن قال إن الشمس لا تضيء.