زينب السباعيوجهان متناقضان للشرف، إن كان له أكثر من وجه. سأبدأ من هناك، سأتتبع آثار الدم القاني لأصل إلى موقع الجريمة، سأستعين بحواسي كي تدلّني على بشاعة المجزرة.
هنا في قانا يفترش الأطفال الأرض بأجسادهم ويسقون التراب من دمائهم الحمراء حتى تنبت رجالاً وأبطالاً. وفي المقلب الآخر للوطن، يُفرش السجاد الأحمر للقادمين من المسؤولين العرب.
هنا يعانق الوليد والدته عناق الفراق والوداع الأخير، يتعلق بثيابها حتى بعد استشهاده.
هناك يتعانق الأشقاء العرب كرهاً أو عن طيب خاطر، ولكنهم سرعان ما يديرون ظهورهم ويرحلون بعيداً كأن شيئاً لم يكن.
هنا صوت الموت، هو السيد الحاكم يدوّي بين حجر وحجر. هناك هدوء ما بعده هدوء، يستمعون إلى الكلمات المبرمجة كأن على رؤوسهم الطير، وجوه مشدودة ليس فيها تعابير أو حياة.
هنا في قانا تُركوا لمصائرهم، تأكلهم الوحوش والكلاب والصواريخ مجدداً.
هناك ما تركوا مكاناً في أمعائهم إلا حشَوه طعاماً شهياً. هنا يبحثون عن الأشلاء... عن شبه إنسان.
هناك يبحث المجتمعون عن أعذار، عن دموع مشوّهة وعن تعاطف يذكّره بأنه إنسان.
هنا تلقّى الأطفال طعنة في الظهر.
هناك يأتون بالخناجر والسيوف لتلمع في عينيّ القتيل. في قانا استشهدوا لحفظ الكرامة، وفي السرايا احتشدوا لحفظ ماء الوجوه فقط.
لا مجال للمقارنة بين الصورتين، واحدةٌ ناصعة بريئة تخدش العين، والأخرى مهشّمة تخدش الحياء، وشتّان بين الواقع والمسرحيات.