راجانا حمية«تمّوزان» مرّا على العدوان، وحال البؤس في بعض المناطق لمّا تتغيّر بعد. مصالح وعائلات كثيرة تعوزها القدرة على مواجهة الخوف والفقر المفاجئ وإهمال الدولة بانتظار «فرجٍ» كان من المفترض أن يحلّ باكراً... قبل أن يتّخذ علي عبد الساتر قراره بالموت.
علي، والد الأطفال الثلاثة الذين لم يستوعبوا بعد الحزن والهرب من منزلهم القروي إلى أحد أحياء الفقر في الأوزاعي، حسم قراره بالعزلة، تاركاً المواجهة لزوجته رانيا، الهاربة دائماً من تساؤلات عيون أطفالها و«الدائنين».
قبل الحرب والهرب أيضاً، لم يكن علي ورانيا يفكّران في اللجوء إلى الحيّ البيروتي الفقير، ولكن الخامس عشر من تمّوز عام 2006 غيّر مجرى حياتهما في بلدة الهرمل البقاعيّة. ففي هذا اليوم، قصفت الطائرات الإسرائيليّة مجرى نهر العاصي، و«أبادت» أسماك البرك التسع، فلم يعد بوسع علي سوى الهرب من «120 ألف دولار استدانها بالفائدة، كان من المفترض أن يدفعها في الثامن عشر بعد بيع الأسماك».
انتهت حكاية البِرك التي عمل علي على توسعتها منذ عام 2000، وانتهت معها حياة العائلة في أحد أزقّة الأوزاعي بين منزلين، منزل صهر رانيا حيث تقيم هي وأطفالها الثلاثة، ومنزل «الخال»، حيث ينزوي علي في إحدى غرفه بعيداً عن العيون التي تترصّده.
إذاً، اختار علي الهرب النهائي، فيما الزوجة تجهد لسدّ فراغ الوالد في حياة أطفالها، والردّ على طلبات الدائنين. لم تعد هذه المرأة قادرة على تحمّل همومها، تعوزها الرغبة وبعض المال من أجل تربية أطفالها وسدّ نفقات علاج زوجها النفسي. ولكن رانيا، التي تحاول تقبّل شرود زوجها، لم تستوعب إلى الآن حزن ابنها حسن، ابن السنوات الثماني، وتساؤلاته. آلمها بكاؤه أمس عندما قرأ في إحدى الصحف «أنّ طفلاً آتياً من سوريا سيراً على الأقدام تمكّن من مقابلة السيّد حسن نصر الله»، بكى، لأنّه يريد مقابلة السيّد «خلّي يساعد البابا، رح يموت». ولكن «البابا» اختار فعلاً الموت والهرب بعدما لم يجد من يعوّض عليه قيمة 60 طنّاً من الأسماك، والأمّ فقدت قواها وأملها بالأبواب التي طرقتها طيلة السنتين الماضيتين، فلم يعد أمامها سوى رسالة كتبتها إلى السيّد نصر الله مرّتين، قبل أن تتجرّأ في المرّة الثالثة على «نشر ألمها علناً»، بعدما احتفظت بها عاماً وبضعة أشهرٍ، في «الأخبار» خلال زيارة قامت بها إلى مكاتبها. في هذه الرسالة، التي «اضطرّت» إلى أن تبعث بها عبر الإعلام، لم تطلب رانيا الكثير، سوى «نظر السيّد»، مستحلفة إيّاه «بأقدس ما لديكم الإسراع بالتعويض علينا والنظر في أمرنا، مقدّمة عذري لكم وراجية تقدير ظروفي وظروف أسرتي».