سعر الأنبوب في لبنان 50 دولاراً. أما في أوستراليا فيمنع بيعه، إلا أنه كما في كل البلدان، بالإمكان العثور على طرق للتحايل على القانون. وإدخاله إلى أوستراليا يضاعف سعره أكثر من 20 مرة: إنه ستيرويد British dragon
رضوان مرتضى
10 ملليغرامات هي سعة الأنبوب الواحد، تؤمن لك ربحاً صافياً يصل إلى 950 دولاراً. مبلغ سيكون بمتناول يديك عندما يصل أنبوب من الستيرويد من ماركة British Dragon إلى أوستراليا، حيث المشترون كُثر.
الستيرويد الذي يُهرَّب هو من أفضل الأنواع الموجودة في لبنان، وهو يساعد كثيراً في تضخيم العضلات، أي الوصول بسرعة فائقة إلى هدف كل ممارس لرياضة كمال الأجسام. وهذه المواد غير متوافرة في الصيدليات اللبنانية، لكن لها سوقاً سوداء يعرفها كل من دخل إلى نادٍ للرياضة البدنية. وأكثر الكميات الموجودة في السوق اللبنانية مهرّبة من سوريا، بحسب عدد من المدربين، وبأسعار لا تزيد على 50 دولاراً للأنبوب الواحد (10 ملليغرامات). ويتعاطى ممارسو كمال الأجسام هذه المادة عبر حقنها في العضلة المنوي تضخيمها.
أما في أوستراليا، فيصل سعر الكمية ذاتها إلى ألف دولار. المبلغ المذكور كان كفيلاً بتحريك مخيّلة «سميرة»، ابنة الستين عاماً، لتبتدع طريقة جديدة لتهرّب عبرها الملليغرامات المذكورة من تلك المادة، وإن أمكن، أكبر من تلك الكمية لزيادة الربح الذي ستحصل عليه إن نجحت العملية. فـ100 ملليغرام ستؤمن مبلغ 9500 دولار، وقس على ذلك. وكلما استطاعت تهريب كمية أكبر، زادت نسبة أرباحها. سميرة التي تعمل في تجارة العطورات بين لبنان وسوريا، لم تكن تمتلك أي فكرة عن عمليات تهريب مواد كهذه، بل كانت خبرتها تقتصر على تهريب التبغ والتنباك والسيكار والأدوية. لمعت الفكرة في رأسها، وبما أنها تعمل في تجارة العطورات وتركيبها، فإن ذلك سيساعدها في الحصول على قوارير العطورات العالمية المقلّدة بأسعار زهيدة، حيث تكلّفها قارورة العطر الفارغة مئة ليرة سورية أو ما يعادل دولارين أميركيين. وارتأت سميرة أن تملأ قارورة العطر بمادة الستيرويد، بدلاً من العطر، وتهرّب المواد بعد تغليفها إلى أوستراليا، حيث يعيش عدد من أقاربها. وبما أنها حصلت سابقاً على إقامة دائمة في بلاد الكانغورو، بات بإمكانها السفر إلى هناك ساعة تشاء.
قررت خوض هذه التجربة بغض النظر عن العواقب، لكن ماذا سيحدث لو تم اكتشاف المواد المهربة؟ سؤال ردّت عليه سميرة بضحكة طويلة أجابت من بعدها: «الحياة مغامرة وهذا ما يعطيها لذّتها»، ثم أضافت: «حتى لو كشفت الأجهزة الأمنية الأمر، فماذا سيحصل؟ أغلب الشعب اللبناني بياكل»، في إشارة منها إلى أنها ستدفع رشوةً لمن يقبض عليها في لبنان، وهو الأمر الذي قالت إنها كانت تفعله عندما كان يُكتشف أمر الدخان والأدوية التي كانت تُهرّبها معها.
تستذكر سميرة حادثة حصلت معها أثناء تهريبها لعدة علب من التبغ: «في تلك المرة، وأثناء تفتيش حقيبتي، عثر موظف في المطار على كمية من علب الدخان موزّعة بين الملابس، أراد مصادرتها فاعترضت وأعطيته تذكرتي وبداخلها 100 دولار. عندها أشار إلى زميله الذي كان إلى جانبه بإقفال الحقيبة وكأن شيئاً لم يكن».
أما عن تهريب الستيرويد، فتقول سميرة: «لا أخفي عليك، ترددت قليلاً في المرة الأولى، لأني أرسلت قارورة العطر المملوءة بالستيرويد مع صديق لي من دون علمه بالأمر». وتضيف ممازحة: «ولو اكتُشف أمرها كانت طلعت براسو».
العملية الأولى مرّت على أتم ما يُرام، فكانت محفّزاً لسميرة لتخوض غمار التجارة الجديدة الذي تفتّحت عيناها عليها عن طريق ابنها. فابنها باسل كان قد سبقها إلى ذلك، إلا أنه لم يكن يستهدف الربح من وراء التهريب من لبنان إلى أوستراليا، بل كان يريد الستيرويد للاستخدام الشخصي. فهو يمارس رياضة كمال الأجسام في سيدني، وأسعار الستيرويد مرتفعة جداً هناك.
أصبح باسل وسميرة شريكين في الأرباح. فسميرة تحصل على أنابيب الستيرويد من أحد مدرّبي كمال الأجسام الذي عرّفها عليه ابنها، ثم تعبّئها في قوارير العطر الفاخر، لتهرّبها في حقائبها عبر المطار من لبنان إلى أوستراليا. أما باسل فيتولى تصريفها وبيعها في بلاد الاغتراب، ويتقاسم الابن ووالدته الأرباح مناصفة.
سميرة التي بدأت بتهريب الستيرويد منذ أكثر من سنة ولا تزال، تذكر أنّ أول قارورة عطر هرّبتها كانت من نوع BRUT، مشيرة إلى أنها اختارت هذا النوع جلباً للتفاؤل، لأنه كان عطر زوجها المفضل، الذي توفي قبل أعوام. كذلك فإن العطر يذكّرها بإعلان قدّمه بطل الملاكمة العالمي محمد علي كلاي للقارورة المذكورة في سبعينيات القرن الماضي، فاشترت قارورة العطر تلك وأهدتها لزوجها الذي كان ملاكماً.