رندة غندورةالركض المستمر خلف لقمة العيش يمنع معظم العاملين في لبنان من مشاركة أسرهم «لقمة هنية» حول مائدة الطعام... بل غالباً ما يجري «تهريبها» بسرعة بسبب ظروف العمل وضغطه والدوامات التي لا تنتهي، أو يتناولها أحدهم في مكتبه على انفراد، أو في كواليس المطابخ الضيقة بمشاركة بعض الزملاء اللدودين من دون الابتعاد عن أجواء العمل والمنافسة الخائبة خوفاً على المواقع، والنتيجة «كل لقمة بغصة».
عائلات كثيرة استغنت عن غرفة السفرة وطاولتها التي يفترض أن يجتمع حولها أفراد الأسرة لتناول وجبة واحدة مشتركة في اليوم بأقل تقدير، ولم تعد تستعمل إلا للولائم الخاصة القليلة أو أيام الآحاد، واستُبدلت بطاولة صغيرة في المطبخ تكفي ليتناول كل فرد من أفراد العائلة طعامه بمفرده على عجل بحسب الدوام الذي يتحكم بعمله أو دراسته أو الاثنين معاً، أو حتى بمن يقضي وقته يبحث عن عمل.
وفيما «يختار» رب الأسرة غالباً البقاء من دون تناول أي وجبة طوال اليوم خارج المنزل للتوفير من جهة ولمشاركة عائلته في المساء من جهة أخرى، يلجأ الكثير من الشبان والشابات «ممن يحاول البحث عن مستقبل» إلى تناول الوجبات السريعة (fast food)، رغم معرفتهم بالكثير من مضار هذه الأنواع من المأكولات.
يوضح أستاذ علم الاجتماع السياسي في معهد العلوم الاجتماعية، الدكتور رشيد شقير، أنه إلى جانب العامل الاقتصادي وضغوط العمل، يظهر العامل التربوي مؤثراً في التباعد بين أفراد بعض الأسر، ولا سيما المراهقون، بعدما أصبحت الأسرة العنصر الأضعف تأثيراً في تكوين شخصية الفرد، لينشط الأصدقاء في ممارسة هذا الدور، إضافة إلى وسائل الإعلام، وخصوصاً التلفزيون وكذلك الإنترنت.
إلى جانب خسارة الشعور بالمتعة والارتياح لاجتماع العائلة حول مائدة الطعام مع تبادل الأحاديث والدردشة الترفيهية، تعدد اختصاصية التغذية ندى حاسبيني العديد من النتائج السلبية لهذا النقص، إذ غالباً ما يلجأ مَن يتناول الطعام بمفرده إلى تناول المزيد من الكميات في وسيلة للترفيه، ولا سيما أن «فش الخلق» غالباً ما يكون باللجوء إلى الطعام غير الصحي و«اللقمشة» من مأكولات تحتوي على سعرات حرارية عالية كالبسكويت والشوكولا ورقائق البطاطا (تشيبس)، ما يزيد من السعرات الحرارية التي يتناولها يومياً، أو على العكس يعاني البعض الآخر من الشبان، وخاصة في حالات الضغط النفسي الشديد بسبب كثرة العمل، من حالات فقدان للشهية وتلبُّك في المعدة فيبقون من دون طعام طوال النهار، وعلى المدى الطويل، يؤدي ذلك إلى انخفاض عملية الأيض أي الـ metabolism of the body
من جهة أخرى، الطاولة التي تجمع العائلة غالباً ما تضم أصنافاً عديدة من الطعام، كالحبوب واللحوم والسلطات والشوربات والنشويات، بالإضافة إلى الطبخات اليومية بشكل أساسي... وهذا التنويع بالأطعمة مطلوب من الناحية الصحية ليوفر للجسم ما يحتاج إليه من فيتامينات ومعادن وبروتينات. وتوضح حاسبيني أنه على عكس الحال عند طلب الوجبات السريعة المحددة الاختيارات التي تسمى أيضاً (low quality or low density food)، فهي تفتقر إلى التنوع وتعطي الجسم الكثير من السعرات الحرارية، وخاصة من الدهون والقليل من الفيتامينات والمعادن والبروتينات، فيزيد الإصرار على اعتماد هذا النظام الغذائي لفترة طويلة من نسبة الدهون المجمعة في الجسم ويؤدي إلى البدانة.