بنت جبيل ــ داني الأمين تشهد منطقة بنت جبيل حركة كثيفة في البناء، فلم يعد ارتفاع أسعار مواد البناء يمثّل عائقاً أمام العودة إلى الحياة، حيث يعمل السكّان اليوم على إعادة إعمار العشرات من المباني السكنيّة. لكن يبدو أن تلك العودة التدريجيّة لن تكون حكراً على الحكومة القطريّة التي تساهم فيها من خلال مساعداتها التي كانت آخرها ثمانية ملايين ونصف مليون دولار أميركي، ضمن الدفعتين الثانية والثالثة، إذ ثمّة آخرون يساهمون أيضاً في تلك الحركة، وهم العمّال السوريّون الآتون بغالبيّتهم من منطقة دير الزور السوريّة. وقد وجد هؤلاء العمّال في المنطقة ما لم يحظوا به في بلادهم، وعمل بعضهم على نقل عائلاتهم معهم، حيث يحلمون بإيجاد ملاذ آمن يصلح للإقامة والسكن الطويل. وفي هذا الإطار، يلفت العامل السوري محمّد عوض إلى «أنّ الحياة في لبنان تستحقّ ترك البلد، فالعيش هنا أفضل من دير الزور، إضافة إلى أنّ كرامتنا محفوظة كما في بلادنا، وحياتنا هادئة وعملنا جيّد». عوض الذي اختار البقاء في بنت جبيل مصطحباً عائلته إليها، يتذكّر فقر دير الزور «التي تعدّ من أكثر المناطق السورية فقراً وأكثرها هجرة ونزوحاً، فالجميع يعمل هناك في الزراعة والأعمال الشاقة دون أي مردود مالي يذكر. وأمام واقع الفقر في دير الزور، لا يجد هؤلاء العمّال سوى لبنان للعمل، حيث فيه أكثر من 6 آلاف عامل من دير الزور وحدها، من بينهم حوالى 2000 في بنت جبيل. ويعود هذا العدد الكبير من العمّال في بنت جبيل وحدها، إلى أنّهم يشعرون بالأمان، ويقول العامل محمود الصالح «إنّنا هنا لا يتعرض لنا أحد، ونشعر بالأمان، وحقوقنا المالية محفوظة، وخصوصاً أنّنا في دير الزور لا يمكننا أن نحصل على أكثر من 6 دولارات يومياً رغم أنّنا نوصل الليل بالنهار، في حين أنّ نهار العمل في بنت جبيل يتعدّى الـ15 دولار أميركي، يضاف إليها الأمن والراحة والاطمئنان».
من الجهة المقابلة، يرى الأهالي أنّ عمال دير الزور في بنت جبيل يزدادون كلما ازدادت الدفعات المترتّبة لأهالي المنطقة من التعويضات، فالسوريون أصبحوا ينتظرون التعويضات من الحكومة القطرية كغيرهم من أبناء بنت جبيل، كما يشير الصالح.
ويردف قائلاً إنّ «هذه التعويضات هي مصدر رزقنا، لأن أبناء بنت جبيل ينتظرونها للبدء بأعمالهم وبناء منازلهم، وبالتالي توفير فرص العمل لنا». ولكن من أتى إلى بنت جبيل بعد الحرب لم يكن وحده من يعرفها، إذ إنّ العديدين منهم شهدوا الحرب وكانوا قد عملوا فيها كثيراً، وهم غير مستعدّين اليوم لتركها «لأنّ العمل هنا أفضل، وعائلاتها أصحاب حقوق لا يأخذون حق أحد».
ولأنّ هؤلاء العمّال شهدوا ما ارتكبه العدو الإسرائيلي في الجنوب، فقد باتوا هم بدورهم مثل مواطني بنت جبيل، لديهم انتماؤهم الخاص للمقاومة وإرادة أهلها «الذين دمّرت بيوتهم وما يزالون هنا يبنون ويعملون»، وويتحدّث محمود عن الدمار وكأنّه هو من تعرّض له، متسائلاً «كيف استطاع هذا الشعب الفقير المتواضع أن يهزم اسرائيل، فهم ليسوا كثراً وليسوا أغنياء ولا يظهر عليهم ملامح العسكريين ، بل كل ما هو بائن أنهم كرماء وأصحاب حقوق ولا يأخذون حق أحد».