معارضو السلاح على موقفهم وكذلك المؤيدون... والشارع العربي هو المستهدفثائر غندور

بعد كل انتصار عسكري لحزب الله، تبدأ مرحلة جديدة وأكثر خطورة بالهجوم عليه وعلى سلاحه. لطالما هُزم حزب الله سياسياً بعد انتصاراته العسكريّة. يقول البعض إن سبب الهزائم السياسيّة يعود إلى عقل حزب الله الجماعي الذي لا يعرف كيف يستثمر نجاحاته، ويضيف آخرون أنه يخاف هذا الاستثمار، وهو ما يقوله مسؤولون في حزب الله. وعندما تسألهم اليوم كيف ستستثمرون هذا الإنجاز في حماية المقاومة يجيبون: هذا إنجاز وطني لا بدّ لتداعياته أن تكون إيجابيّة للمقاومة. كلام متواضع، يُصنفه خصوم حزب الله تحت عنوان «التقيّة التي يُمارسها الشيعة». لكن بعض الاستفزاز لحزب الله يدفع أحدهم إلى القول: هذا الانتصار نكسة لمن يقول إن دور المقاومة انتهى.
يبدو منذ اليوم أن الهجوم على السلاح لن يتوقّف. وما حصل لن يُقنع الكثيرين بتغيير مواقفهم، «رغم أن عمل المقاومة فرض معادلة جديدة، تقول إن إسرائيل لا يُمكنها أن تأسر لبنانياً كلما أرادت ذلك، وفتح نقاشاً داخل إسرائيل مفاده: لماذا لم نُطلق هؤلاء الأسرى في الصفقة الأخيرة للتبادل عام 2004؟». ويقول أحد المدافعين عن خيار المقاومة إن النقاش في الداخل لم يعد بين خياري هانوي وهونغ كونغ كما طرح رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط.
لكن نائب القوّات اللبنانيّة، أنطوان زهرا، وجد ثغرة في هذه «العمليّة العظيمة» حسب قوله، وهو غياب دور الدولة في هذا التبادل. ولا يعتبر زهرا أن ما حصل يُضاف إلى إنجازات المقاومة، بل إلى إنجازات إسرائيل في «تعويم كلّ ما يُقوّض الدولة اللبنانيّة». ويؤكّد زهرا أن القوّات في انتظار جلسات الحوار الوطني حتى تطرح وجهة نظرها في موضوع سلاح حزب الله.
بدوره، يعتبر نائب طرابلس، الدكتور مصطفى علّوش، أن أي لبناني يجب أن يكون مرتاحاً وفرحاً لتحرير الأسرى «وأنا كذلك، لأن تحرير الأسرى هو مكسب للبنان، وقد دفعنا ثمناً كبيراً لها في حرب تموز ولا نزال ندفع»، متمنياً أن لا «نقاتل مرّة ثانية في سبيل أسرى جدد».
ويرى علّوش أن من الضروري إيجاد غطاء وطني للمقاومة، لأن ما حققته من انتصارات جاء بسبب وجود غطاء شعبي لها، «وهو مفقود حالياً، وهذا واجبنا جميعاً، لأن المقاومة حقّ وواجب وطني».
ويُميّز عضو المكتب السياسي في الجماعة الإسلاميّة عمر المصري بين سلاح المقاومة وسلاح حزب الله الذي استُخدم في بيروت.
ويلفت إلى أن الجماعة لطالما حذّرت حزب الله من الدخول في الفتنة الداخليّة التي تؤذي المقاومة، وهم يتحمّلون المسؤوليّة الكبرى عما جرى، رافضاً اعتباره دفاعاً عن المقاومة، لأنه كان من أجل مركز ضابط شيعي.
وأضاف أن التهديد باستخدام السلاح جعل الناس «تكفر بالمقاومة، ودورنا كجماعة أن نُعيد ارتباط هؤلاء بالمقاومة، لأنها مبنيّة على أسس عقائديّة ودينيّة بالنسبة إلينا».
لكنّ المصري يشير إلى أن الموافقة على عمليّة التبادل «أكّدت أن العدو لا يفهم إلّا بالقوة التي هي الوسيلة الوحيدة لاستعادة الأرض، وبقاء المقاومة ضرورة في وجه العدو، لا الداخل».
بدوره، يطرح مسؤول العلاقات الخارجيّة في الحزب الشيوعي، الدكتور مفيد قطيش مقاربة أخرى لمفهوم المقاومة. يربط القضيّة الوطنيّة ـــ القوميّة بالقضيّة الاقتصاديّة ـــ الاجتماعيّة.
يُبرّر قطيش وجهة نظره هذه بالإشارة إلى أن أصواتاً كثيرة ستعلو اليوم وغداً، وخصوصاً بعد تحرير مزارع شبعا، مطالبة بسحب سلاح المقاومة، لأن الاحتلال انتهى، «وهذا صحيح إذا ربطنا المقاومة بالاحتلال العسكري، وهذا خطأ أهل المقاومة». ويُضيف قطيش أن الاحتلال يهدف من احتلال الأرض إلى السيطرة على خيراتها وأسواقها. لذلك يرى أن على المقاومة أن تُحارب الاستعمار بأشكاله العسكرية والاقتصاديّة، وقد تطوّرت آليّات المواجهة مع تطوّر شكل الاستعمار. ومن هنا، يجب مواجهة البيئة الاقتصاديّة ـــ الاجتماعيّة الداخليّة التي تتيح المجال لهذا الاستعمار كي يتعاطى بالشؤون الداخليّة.
على هامش التصريحات، يدور حديث في أندية سياسيين معارضين ومدافعين عن المقاومة يُستخلص منه أن هؤلاء أصبحوا شبه مقتنعين بأن الشعب اللبناني بات مفروزاً بشكل حاد بين مشروعين سياسيين، ولا يُمكن أيّاً من هذين المشروعين الانتصار. لكن هذا لا يؤثّر على عمل المقاومة التي عرفت كيف تتعامل معه منذ الانسحاب السوري عام 2005. ويُضيف هؤلاء أن الجزء الأساسي من المعركة هو حفاظ حزب الله على جمهوره العربي والإسلامي، وهو الأمر الذي لم يهتزّ بشكل كبير من خلال أحداث 7 و8 أيّار، وعندما تشمل عملية التبادل عدداً من المقاومين الفلسطينيين، فإن ذلك يُعيد الاعتبار إلى حزب الله كمقاومة عربيّة، ويبرئ ساحتها من الهجوم على السنّة، لأنها تكون قد حاربت حلفاء أميركا وليس السنة. ويطرح آخرون فكرة أن يكون سمير القنطار المرشّح الدرزي على لوائح المعارضة في قضاء بعبدا.
مواقف كثيرة يطرحها محبو المقاومة، وكثيرون لا يجاهرون بكل ما في الصدور خوفاً من أن يفرض العدو شروطاً جديدة قبل إنجاز الصفقة.



34 تبادلا


حصلت 32 عمليّة تبادل أسرى بين إسرائيل والدول العربيّة كان أولّها بعد حرب 1948، وأهمها أخيراً في 29 كانون الثاني 2004 عبر الوسيط الألماني، وأفرجت إسرائيل بموجبها عن 462 معتقلاً فلسطينياً ولبنانياً منهم 30 أسيراً عربياً وهم 24 لبنانياً، كان أشهرهم المسؤول في حزب الله الشيخ عبد الكريم عبيد الذي اختطفه الإسرائيليون من لبنان عام 1989، ومصطفى الديراني الذي اختطفه الإسرائيليون عام 1994، و6 أسرى عرب. كما أفرج خلالها عن المواطن الألماني ستيفان مارك، الذي اتهمته إسرائيل بالانتماء إلى حزب الله وأنه كان ينوي القيام بعملية ضد إسرائيل. كما أعادت تل أبيب جثث تسعة وخمسين مواطناً لبنانياً، وكان يفترض أن يكشف خلالها عن مصير أربعة وعشرين مفقوداً لبنانياً وتسليم خرائط الألغام، وهو الأمر الذي لم يحصل.