غسان سعودمنذ أعلن تفاهم التيّار الوطني الحر وحزب الله، لم تفوِّت قوى الغالبيّة النيابية فرصة للحديث عن تبعيّة العماد ميشال عون إلا استغلتها، وكثرت في عام التحالف الأول النظريات السياسيّة والإعلاميّة التي تؤكد هذه الفكرة وتشدد على خطورة التفاف المسيحيين حول زعيم يعطي الطوائف الأخرى ولا يأخذ منها لطائفته، ويتبع لحزب هو أصلاً تابع لإيران وسوريا.
ولكن، بعدما أكدت إحصاءات الأكثرية وتحريات السفارة الأميركيّة، يقول مرجع في التيّار، إن عنوان التبعيّة لم يحقق النتيجة المرجوة منه، ولم تندثر شعبيّة التيّار تأثراً بالأقاويل، انتقل الأكثريّون إلى استراتيجيا جديدة تقوم على اعتبار عون المعرقل الأساسي للحلول التي ينتظرها اللبنانيون، والعائق الرئيسي أمام تعزيز الاستقرار وتثبيت الأمن وانطلاق مؤسساتهم. وسجلت الأكثرية هنا نجاحاً إعلامياً باهراً دفع بعون نفسه وأقرب المقرّبين منه إلى الاقتناع بأن طموحه الرئاسي هو سبب الأزمة، فكان أن أعلن سحب ترشحه للرئاسة الأولى. لكن حملة ربط الأزمة الرئاسية بطموح عون لم تتوقف، بل تزايدت حتى بات عونيون كثر مقتنعين أكثر من خصومهم بصحة هذا الأمر. ومع تلمس الأكثريين نجاحهم بتحويل الطموح إلى جنحة نتيجة الانعكاسات السلبيّة التي يخلّفها تعثر الحل على الصعد المختلفة، عززوا حملتهم محاولين ضرب مصداقية عون كآخر حصون الحالة العونيّة.
وعلى الموال ذاته «يحرج فيخرج» يتابع الأكثريون الغناء اليوم، على ما يقول المصدر العوني، مشيراً إلى مواظبتهم على إظهار عون مظهر المعطِّل لولادة الحكومة، بعدما كان المعطل لانتخاب الرئيس. أما الأسباب، فلا تزال مجهولة، وخصوصاً أن ما من «طموح شخصي» هذه المرة. مع العلم، يتابع المصدر، أن الرأي العام بدأ يرتبك، فهم يريدونه أن يقتنع أن عون مجرد ملحق بحزب الله.
وفي المقابل، يرى أحد مسؤولي التيار أن الحملة الأخيرة على رئيس تكتل التغيير والإصلاح وإغداق الاتهامات عليه حتى يكاد البعض يعتبره مسؤولاً عن مشكلة الدين العام وغلاء المعيشة، هي نتيجة إرباك الأكثريين من سقوط القناع عن كذبتي التبعيّة والأنانيّة بعد اتفاق الدوحة وانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً. فقد اتضح أخيراً للرأي العام أن «التبعيّة» أنتجت اقتناعاً شيعيّاً، ما كان أحد يحلم به، بالقانون الانتخابي الذي يحلم به غالبية المسيحيين منذ سنوات ليستطيعوا إيصال ممثليهم الحقيقيين. وأدت هذه «التبعيّة» إلى مجاهرة حزب الله باستعداده للتنازل عن كل ما يطلب منه في بيروت لقاء استعادة المسيحيين مقاعدهم. فيما كان «الحلفاء الأحرار وأصحاب القرار» وسط مسيحيي 14 آذار يقفلون خطوطهم، تفادياً لإحراج حلفائهم، تاركين الأمور تأخذ مجاريها.
أما «الأنانيّة» فقد تلاشى مفعولها بمجرد انتخاب سليمان، هذا الانتخاب الذي شدَّ العصب العوني خلافاً لما كان يُعتقد. وكانت الأيام القليلة، التي تلت جلسة الانتخاب، كفيلة لمّ شمل كثيرين تأكدوا أن الرئاسة شيء والزعامة التي ترفع الصوت وتضع الخطوط العريضة لمقتضيات المرحلة شيء آخر.
الأمر الذي أحرج الأكثريين ووضعهم أمام أمل وحيد، هو رفع مستوى التصعيد، عساه يحرج، فيخرج. إلى هذا المستوى وصل الأكثريون، ويتابع مردداً أن نتيجة الخروج قد تكون أسوأ من البقاء بكثير، بالنسبة إلى الأكثريين.