بري إلى إسبانيا فكندا وعون يحذّر من العودة إلى ما قبل الدوحة «الكلفة أغلى بكثير»مضت نهاية الأسبوع التي كانت «على أبعد تقدير»، وودّع الجميع التفاؤل وتوقعات الولادة خلال ساعات أو أيام. وبغياب أي مواعيد في انتظار أي جديد، عاد موضوع تأليف الحكومة إلى ما تحت الصفر، وبات «الأمن أوّلاً» شغل الجميع
لولا بعض اللقاءات التي لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، والتصريحات الإعلامية اليومية المعتادة، كماً ونوعاً، لظن المتابع للمشهد السياسي، أمس، أن لا أزمة حكومية في لبنان، ولا تنازع على الوزارات السيادية والخدماتية، وعلى مهلة التكليف ومصير التأليف، وخصوصاً أن الأمن بدا فجأة كأنه مفتاح السياسة ــــ كما يطالب البعض ــــ بعد إفشال محاولة معالجة الملف الحكومي لتنصرف الحكومة الجديدة إلى متابعة كل الملفات.
بين قصر بعبدا والسرايا الحكومية توزعت الوفود والشخصيات، أمس، تحت عنوان وحيد هو الأمن. فالتقى وفد موسّع من فاعليات مدينة طرابلس رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والرئيس المكلّف تأليف الحكومة فؤاد السنيورة، شاكراً لهما متابعتهما للأوضاع الأمنية التي شهدتها المدينة أخيراً. وقال المفتي مالك الشعار إن الاقتتال في طرابلس «ليس بين أهلها على الإطلاق، وليس بين السنّة والعلويين أبداً»، متهماً «أيادي غريبة بالعمل من أجل عدم استقرار البلد». وأكد أن انتشار القوى الأمنية أدى إلى استتباب الأمن بنسبة أكثر من 80%، واصفاً الوضع بأنه «مصالحة وتلاق» و«أكثر من هدنة». وذكر أن الوفد تمنّى على رئيس الجمهورية «أن يعطي أوامره مجدداً ليقوم الجيش بدوره كاملاً، ويأخذ الأمور بجدية بالغة»، معتبراً «أن هيبة الدولة تتحقق من خلال هيبة وجود الجيش». ونقل عن سليمان أنه سيلتقي بعض القيادات العسكرية «ليعطيهم الأمر بصورة حاسمة حتى لا يبقى في طرابلس أي أثر من آثار الاقتتال». وذكر أيضاً أن الوفد ناشد السنيورة الاهتمام بمنطقتي التبانة وبعل محسن، عبر التعويض عن الأضرار وإيجاد بعض المشاريع التنموية. وأوحى بأن التحقيقات في انفجار باب التبانة «توصلت إلى شيء ما يعرف في وقته».
وخلال اللقاء، رأى سليمان أن أعضاء الوفد «يعبّرون عن إرادة طرابلسية جامعة بضرورة ضبط الوضع الأمني في طرابلس، وإعادة الاستقرار إلى أحياء المدينة»، مؤكداً أن القوى الأمنية «تعمل على فرض الأمن، وأن التوجيهات أعطيت إلى القيادات الأمنية للتشدد في هذه الإجراءات»، وأعرب عن تقديره لـ«دور القيادات الروحية والسياسية في المساعدة على ترجمة إرادة الطرابلسيين الجامعة.

اجتماع رئاسي ــ أمني لتعزيز الإجراءاتوفي جولة مماثلة، زار النائب مصباح الأحدب، بعبدا والسرايا، مطالباً بـ«مرونة أكبر في عمل قيادة القوات الأمنية المولجة حماية الأمن في طرابلس، ومواجهة التهديدات التي يطلقها البعض، والتي قد تدفع إلى الذهاب نحو التسلّح، وهو أمر لا نريده لأنه يزيد الأمور تعقيداً». ودعا إلى الإسراع في تأليف الحكومة بأي شكل: بدون أحد، فليأت أي شيء، ليأتوا مثلاً بطاقم آخر إذا كان لا بد من ذلك. وقال: «إذا كان السياسيون لا يقبلون بالتنازل عن مصالحهم، فعلى رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف أن يقوما بتأليف حكومة وإرسالها إلى مجلس النواب، وعندئذ، بالتصويت، نرى ما إذا كان موقف كل واحد يتجانس مع تصريحاته». ورأى أنه «ليس هناك انتخابات نيابية، وليس مفروضاً أن يكون هناك انتخابات قبل حل قضية السلاح».
كذلك كان الوضع في طرابلس، محور لقاء في السرايا بين السنيورة والنائب مصطفى علي حسين الذي وافق الشعّار على أن أعمال الشغب «من فريق ثالث، لا من أهل طرابلس»، وقال إن القوى الأمنية تعرف هذا الفريق «وهي تراقب كل شيء، ولكن يبدو أنه ليس هناك قرار سياسي لديها، ونحن نتمنى تأليف الحكومة بأسرع وقت ممكن وتعيين قائد للجيش». وأكد عدم وجود أي إشكالات في عكار.

عكار وجبل محسن والوضع في بسكنتا

في غضون ذلك، تواصلت اللقاءات في عكار، بعد ما قيل عن التسلح في المنطقة واحتمال انتقال التوتر إليها، وكان آخرها لقاء في بلدة البيرة، شارك فيه رؤساء بلديات ومخاتير وفاعليات، وممثلان لتيار المستقبل والنائب السابق خالد ضاهر، وأصدروا بياناً نفوا فيه وجود استعدادات عسكرية في منطقة الدريب أو تسلح في عكار، مؤكدين: ترسيخ قواعد العيش المشترك، عدم الانجرار إلى الفتن وإثارة النعرات الطائفية، رفض استخدام القوة وتوجيه السلاح إلى الداخل لأنه سلاح جريمة مهما كانت الأسباب، التمسك بالجيش وقوى الأمن الداخلي، وأن يأخذا دورهما الكامل في الحفاظ على الأمن ويكونا على الحياد.
إلى ذلك، نفى الحزب العربي الديموقراطي ما نسبه بعض وسائل الإعلام إلى مصادر فرنسية من «أن باريس طلبت من دمشق سحب عناصر استخبارية تابعة لها من منطقة جبل محسن»، ورأى «في ترويج مثل هذه الأخبار مخططاً يستهدف التعمية على حقيقة الحوادث المؤلمة التي جرت أخيراً في طرابلس، والجهات التي سبّبت هذه الحوادث»، معرباً عن الخشية من أن يكون الهدف من ذلك «إيجاد مناخ لتبرير أي اعتداء جديد يتعرض له أهالي جبل محسن»، ووضع ذلك برسم قيادة الجيش والقوى الأمنية اللتين تعلمان «علم اليقين حقيقة الأوضاع، وتمتلكان معطيات كاملة عن الجهات التي تعزز نفسها بعناصر متطرفة تحت مسمّيات مختلفة».
وفي موضوع أمني آخر، نفت مديرية بسكنتا في الحزب القومي، جملة وتفصيلاً، ما وصفته بـ«الشائعات عن وجود مسلحين تابعين للمعارضة في جرود وأعالي جبل صنين»، متهمة «بعض الرموز التابعة لفريق 14 شباط»، بإطلاقها، بهدف «ضرب موسم الاصطياف والسياحة الذي ينتظره أهل المنطقة هذا العام، وكأن هنالك محاولة مدروسة لتهجير موسم الاصطياف إلى مناطق أخرى». ودعت الأجهزة الأمنية الرسمية «إلى التثبّت من حقيقة الأمر».
سياسياً، غادر رئيس مجلس النواب نبيه بري، أمس، إلى إسبانيا لحضور منتدى ثقافي. ومن المرجح أن ينتقل منها إلى كندا لترؤس وفد نيابي يشارك في الجمعية العمومية للبرلمانات الفرنكوفونية، وفي إحياء ذكرى 400 سنة على تأسيس كيبيك. وفيما رأت بعض التحليلات أن مغادرة رئيس السلطة الثانية دليل على تجميد موضوع الحكومة العتيدة، أكد النائب ميشال موسى أن المفاوضات «ستستكمل لإنجاز تأليف الحكومة»، وأن قنوات التفاوض «مفتوحة» رغم غياب بري، مردفاً: «أن طرق الاتصال كثيرة والمسافات قريبة رغم بعدها»، مع إقراره بوجود تعثّر في عملية التأليف.
وقد التقى رئيس الجمهورية المعاون السياسي لبري النائب علي حسن خليل، وأفاد المكتب الإعلامي في بعبدا بأنه «تداول معه في الاتصالات الجارية لمعالجة الوضع الحكومي، في ضوء المواقف التي صدرت عن القيادات السياسية المعنية». ووضع خليل اللقاء «في سياق المساعي القائمة لمعالجة الشأن الحكومي»، معرباً عن أمله أن تتبلور الصورة خلال فترة قريبة.
وفي بعبدا أيضاً، رأى الوزير ميشال فرعون «ضرورة تسهيل الأطراف عملية تأليف الحكومة وحسم المطالب غير المنطقية، وتنفيذ الصيغ التي تبدو متوازنة جداً». كذلك أمل رئيس حركة التجدد الديموقراطي نسيب لحود، الذي زار سليمان على رأس وفد من الحركة، «تسهيل تأليف الحكومة وفق القواعد التي أرساها اتفاق الدوحة، وعلى قاعدة أن المطلوب من الحكومة هو خدمة الوطن والمواطنين، لا أن تكون أداة للتجاذب السياسي»، مشيراً إلى أن اللقاء تناول موضوع الحوار والمشكلات المعيشية والحياتية الضاغطة.

«نطلب من الجميع أن يحترموا أنفسهم»ودعا السنيورة إلى الرد مباشرة: «هل من الضروري أن تكلّف النائب هادي حبيش أو النائب السابق غطاس خوري للكلام عنك؟ ما علاقتهما؟ أحدهما ليس بنائب والآخر أصغر شخص عندكم. تكلم أنت». وأكد أن المعارضة «صف واحد: لا خلاف في ما بيننا والحصص مقسّمة، فإذا كان هناك شجار، فليس في ما بيننا، بل بيننا وبين الرئيس المكلّف». وقال: «يجب أن ننتهي من هذا الابتزاز المعنوي الذي نتعرض له يومياً في الصحف. نطلب من الجميع أن يحترموا أنفسهم في هذا الموضوع»، وتوقع «اعتداءات أكبر، الاعتداءات المالية التي سيوظفونها، هناك حروب وتنظيم قوى سياسية جديدة». لكنه جزم بأن الموسم السياحي سيكون جيداً.
ورداً على سؤال، قال: «الحقيبة السيادية حق لنا. يجب أن يعرف كل العالم أننا نتنازل ولا نزيد شروطنا»، مطالباً الفريق الآخر بتحسين شروطه مقابل التنازل. وجزم بأنه لا يريد حقيبة الاتصالات، «هم عرضوها»، مطالباً بالأشغال بطريقة غير مباشرة، «نطلب أشغالاً وزفتاً». ورأى أن هناك بداية تهرّب من إقرار قانون الانتخاب، محذراً من التفكير بإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الدوحة، وأردف: «إذا كانوا يفكرون هكذا، فلا يكونون قد تعلموا شيئاً من الحوادث السابقة، وتصبح كلفتها أغلى بكثير. ليقبلوا بما هو متفق عليه حالياً أفضل من أن يقبلوا في الآخر بكل شيء لا يرغبون فيه». وطالب الدولة «وهي ليست في حالة حرب مع سوريا»، بمتابعة موضوع المفقودين، قائلاً: «نريد أن نعرف، وعلى الدولة أن تقوم بتحقيق، من خطف؟ ومن ادّعى أنه ذهب إلى سوريا؟».
ونقل النائب إبراهيم كنعان، الذي اختتم أمس زيارة إلى بريطانيا، «حرص الحكومة البريطانية، ومعها الدول الأوروبية، على تحقيق الإصلاحات التي يتضمنها قانون الانتخاب، ولا سيما لجهة التقسيمات الإدارية، بحيث تنتج أفضل تمثيل لجميع فئات اللبنانيين، وللمسيحيين خصوصاً. كما تم تناول ضرورة إتاحة الفرصة للبنانيين المغتربين لممارسة حقهم في المشاركة في الانتخابات النيابية».
وكان النائب أنطوان زهرا قد رجّح أن يكون اقتراب موعد زيارة الرئيس السوري إلى فرنسا قد «أسهم في تذليل العقبات الإقليمية من أمام عملية تأليف الحكومة، وخصوصاً مع أجواء التفاؤل التي سادت عطلة نهاية الأسبوع، قبل أن تتحول العقبات «بلدية» بفعل الشروط الإضافية التي وضعها العماد ميشال عون والتي أدّت إلى تبديد الموجة الإيجابية وإعادة أمور التشكيلة الحكومية إلى بداياتها».
وبعد أيام على رد النائب علي المقداد عليه، رد النائب أنطوان أندراوس على الرد، متمنياً لو أن المقداد «لم يأت على ذكر الفساد، إذ لو قمنا بجردة حساب الهدر وتوظيف المال السياسي، ابتداءً من صندوق المهجرين واللوائح الوهمية، ثم إخلاءات بيروت والضواحي في صندوق المهجرين وأليسار، دون أن ننسى وادي أبو جميل والكهرباء ومجلس الجنوب وهيئة الإغاثة وتعويضات حرب تموز، لكان الشعب اللبناني قد عرف مقدار ما استفادت منه جماعات حزب الله وحركة أمل، حلفاء التيار العوني. وأخيراً، إن فاقد الشيء لا يعطيه».


قيادة الجيش للعسكريين: وعيكم ضمان وحدتكم

تحت عنوان «وعيكم ضمان وحدتكم»، عمّمت مديرية التوجيه في قيادة الجيش نشرة توجيهية على العسكريين، اتهمت فيها المتضررين من المصالحة والوفاق في البقاع والشمال، بمحاولة إجهاض الاتفاقات «لمآرب تخريبية لا تخفى على أحد، من خلال العبث بأمن الناس ودقّ إسفين التفرقة بينهم»، كما اتهمت بعض وسائل الإعلام بتضخيم الأخبار «ما يؤدي إلى تضليل المواطنين، وإثارة الغرائز لديهم»، وعدداً من السياسيين والمحللين بأنهم يدلون «بمعلومات مغلوطة واقتراحات تعبر عن تشكيك في دور الجيش وتدخّل في شؤونه الداخلية وتفاصيل مهماته العملانية في محاولة لاستمالته إلى جانب فئة من دون أخرى وزجّه في الصراع السياسي والمذهبي».
ودعت العسكريين إلى وعي دقة المرحلة، وعدم الالتفات إلى أي «أخبار وآراء وانتقادات ومواقف فئوية لا تخدم الاستقرار العام ولا صيغة العيش المشترك»، معتبرة أن كل ذلك «يهدف إلى زج المؤسسة العسكرية في التجاذبات السياسية». وذكّرت بمناشداتها للمعنيين «بضرورة التحلي بالمسؤولية الوطنية في ممارسة العمل الإعلامي والسياسي»، وتحذيرها لهم «من أن ما يقومون به يتعلق بوطنهم لا بوطن الآخرين، وأن النار لو اشتعلت لشملت الجميع من دون تمييز، وهي لا تزال تأمل استجابتهم وتعاونهم.
كذلك دعت العسكريين «إلى عدم تغطية أعمال المخلين بأمنهم وأمن عائلاتهم، مع الإشارة إلى أن هؤلاء لا ينتمون إلى الأفرقاء المتصالحين ولا تهمّهم مصلحة المواطن بشيء»، مؤكداً أن «لا حياد أمام مصلحة الوطن ولا تهاون مع مفتعلي الفتنة».