strong>مهى زراقطاستيقظت السيدة سهام القنطار باكراً صباح أمس، أيقظت ابنها بسّام مذكّرة إياه بأن البيت سيغصّ بالإعلاميين بعد قليل وعليه أن يكون جاهزاً. لم تنسَ في المرات التالية التي كانت تعاود إيقاظه فيها أن تشكو له: «إنشالله ما يسألوني شو شعورك، لم أعد أحبّ هذا السؤال». الفتى سامر القنطار (14 عاماً) يكره سؤالاً آخر «ماذا ستفعل عندما يُفرَج عن عمك؟».
سؤالان لا يمكن تقديم إجابات دقيقة عنهما. وإذا كان سامر ينجح في التهرّب بالقول إنه لا يعرف «وعندما يخرج عمّي أجيب»، فإن السؤال الأوّل لا يسمح بالحياد، ويثير ارتباكاً في المشاعر لا تحتاج العائلة إلى مضاعفته هذه الأيام.
رغم ذلك، طُرِح السؤالان أمس... ومعهما عشرات الأسئلة من مراسلي محطات «سي أن أن»، «العربية»، «إخبارية المستقبل»، «بي بي سي العربية»، وإحدى المجلات الأسبوعية... عدا عن مقابلات سريعة كانت تُجرى عبر الهاتف لإذاعات ومحطات تلفزة مختلفة من لبنان وسوريا. هكذا تحوّل منزل عائلة سمير القنطار في عبيه إلى مقرّ إعلامي. بعض المراسلين يتصلّ ويحدّد موعداً لزيارة المنزل، فيما يصل آخرون فجأة من دون مقدّمات. رغم ذلك لا تشعر بأن ارتباكاً قد يسود المكان، فالعائلة اعتادت زحمة الإعلاميين. وتذكر الوالدة أنها شهدت زحمة مماثلة قبل عملية التبادل الأخيرة، وبعدها: «لكن لا شك أن الوضع مختلف اليوم، عودة سمير باتت شبه مؤكدة». بسام ووالدته هما من يتحدّث غالباً للإعلام، قد يشارك سامر (14 عاماً) إذا أصرّت «التاتا» تحت حجة «قل شيئاً لكي يراك عمك سمير». شقيقه التوأم سامي لم يرضخ يوماً لهذا «الابتزاز» العاطفي «لأنه عنيد» يقول سامر، لكنّ الفتيين لا يتردّدان في الجلوس أمام الكاميرا، محيطَين بجدّتهما «هكذا يرانا عمي». الإجابات المقتضبة التي يوردها سامر ليست دليلاً على خجله، فهو جريء كما يقول عن نفسه «لكني لا أحب أن أتكلّم كثيراً للإعلام». لا يمرّ وقت طويل قبل أن يبدأ هو بطرح الأسئلة عن هوية المحطات التي يعمل فيها المراسلون ولا يخفي حبّه لمحطات تلفزة أكثر من أخرى رافضاً بشكل قاطع تسميتها.
هذه الدردشة مع سامر جاءت في وقت كان فيه بسام يدلي بحديث إلى «سي أن أن». مراسل «إخبارية المستقبل» جالسٌ على كرسيّ ينتظر دوره، الذي سيتقاسمه مع مراسل «العربية». أما مراسل إحدى المجلات فكان مسروراً بأرشيف الصور والرسائل الذي حضّره بسام خصيصاً، ووضعه في متناول كلّ من يرغب على كرسيّ عند مصطبة البيت: صور لسمير مع رفاقه في العملية (الشهيدان عبد المجيد أصلان ومهنّا المؤيّد، وأحمد الأبرص)، شهاداته من الجامعة نماذج مختلفة لرسائله «ومن يطلب أكثر يحصل على المزيد».
في غرفة الجلوس جلست الوالدة وخلفها صور عدد من أفراد العائلة، إضافةً إلى صورة لسمير مع مروان البرغوثي. الجدار المواجه تحتله صورة كبيرة لسمير مع أحمد السعدات، وتحتلّ صورة للسيد حسن نصر الله جداراً ثالثاً. هذا العدد من الصور يدفع إحدى المراسلات إلى اقتراح تصوير الوالدة مع الصور «وخبرينا عن كل صورة». توافق الوالدة من دون تردّد وتساعد المراسلة على تثبيت «الميكرو» قبل أن تبدأ جولتها بين الصور ثم... «فلننزل إلى الحقل وهناك حدّثينا أكثر عن سمير».
الفكرة جيّدة وتتيح لقطة غير مكرّرة، وخصوصاً أن البيت يغصّ بمختلف أنواع الزهور والخُضَر والأشجار. يكشف بسّام أن هذه المراسلة هي الصحافي الرقم 2 الذي «يقفش هذه اللقطة». هو لا يقترح على أحد مكاناً معيناً للتصوير في المنزل، ويترك حرية الحركة لمن يشاء لكنه يلاحظ فرقاً رئيسياً بين نوعين من المراسلين: «هناك من يأتي بحثاً عن «ستاند أب» ومعلومات آنية، وهناك من يطلب معلومات دقيقة غالباً ما تكون لمصلحة مادة وثائقية».
تبقى مشكلة الأسئلة المكرّرة، ففي محاولة للابتعاد عنها تُطرَح أسئلة أكثر إرباكاً. في الحقل مثلاً، تسأل المراسلة: «ما هذه الشجرة؟». تجيب الوالدة «هذه شجرة خرمة». «هل يحب سمير الخرمة؟». لا نسمع إجابة الوالدة، لأن سؤالاً مماثلاً تلاه «هل كان يحب التبولة؟». ثم إلى بسام «ما هو لون الورد الذي يحبه سمير؟». هذه المرة نسمع الإجابة «لم أسأله يوماً عن هذا الأمر لكنني ألاحظ أنه يرتدي الأحمر غالباً».
الأسئلة أيضاً نوعان، وفق هوية المحطة. مثال، السؤال المحوري الذي طرحته «سي أن أن» كان يدفع في اتجاه «الدفاع» عن العملية التي نفذّها سمير (وقتلت إسرائيليين) وعن «التبرير» الذي يجعل العائلة تنظر إلى سمير كمقاوم. إجابة الوالدة كانت معبّرة: «مشكلة الذين لا ينظرون إلى سمير كبطل ليست مع سمير بل مع القضية الفلسطينية، هم أصلاً لا يعترفون بوجودها فكيف سيعترفون بمن يقاوم لأجلها». أسئلة المحطات الأخرى كانت تصبّ في مكان آخر، هي محطات عربية ترحب بعودة مقاوم من أسره بعد ثلاثين عاماً، فبحثت عن تفاصيل من طفولة سمير وحياته قبل الاعتقال وهو ما كانت ترويه الوالدة «لمرة أخيرة ربما». أما عن التحضيرات لاستقباله، فكانت الإجابة عنها من نصيب بسّام. الأخير لا يتعب من الإجابة على الاتصالات الهاتفية، إعطاء المواعيد وإيجاد حلول بديلة لمن لا يتسّع الوقت لرؤيتهم. لكنه أمس كان غاضباً، فرغم كل الاحتياطات التي يتخذّها، استطاعت القناة العاشرة الإسرائيلية تسجيل حديث له بعدما قدّم المراسل نفسه على أنه أنّه صحافي في جريدة «الاتّحاد» الفلسطينيّة التي تصدر في أراضي الـ48 «وصلت بهم السفالة إلى حد انتحال هوية غير هويتهم».