الخلاف ليس سياسياً». الحسم لا يكفي لتنفّس الصعداء. فقد وقع قتيلان في البقاع الشمالي. وإضافة إلى معاناة أهالي الضحايا، تبقى ارتدادات الجرائم أمداً طويلاً في هذه المنطقة التي تحكم قسماً كبيراً من أهلها عادات عشائرية. فهل من يحقن الدماء؟
البقاع الشمالي ــ رامي بليبل

رئيفة صالح ومحمد نزهة، ضحيتان جديدتان لعنف يتنقل في أرجاء البلاد، شيعتهما بلدتا العين والنبي عثمان (البقاع الشمالي) يوم أمس. ابنا البلدتين المتجاورتين سقطا برصاص أطلِق في الليلة السابقة، بعد خلاف فردي، تحوّل إلى اشتباكات مسلحة، أوقعت ــ إضافة إلى القتيلين ــ سبعة جرحى، وأدّت تداعياته إلى قطع الطريق الدولي بين بعلبك وحمص عند بلدة العين، فضلاً عن توتر طاول منطقة البقاع الشمالي بأسرها.
هذا الخلاف لم ينجُ من شائعات ومعلومات تناقلتها وسائل إعلام تحدّثت عن أن اشتباكات تلك الليلة مرتبطة بتوترات مبيّتة بين أنصار المعارضة وأنصار الموالاة، إلا أن المصادر الرسمية في القوى الأمنية وأبناء بلدة العين ومصادر الأحزاب والتيارات السياسية الفاعلة في المنطقة دحضت كل ما قيل عن أسباب سياسية لما جرى.
روايات تفاصيل الحادثة متعددة، إلا أنها تقاطعت عند الآتي:
منذ أسبوع تقريباً، نشب خلاف بين أحد مخاتير بلدة عرسال، ويدعى حسين كرمبي من جهة، وشاب سوري من جهة أخرى. المتخاصمان زميلان في العمل لدى محمد الحجيري، صاحب أفران التاج في بلدة العين. وسرعان ما تدارك رب العمل (محمد الحجيري) الخلاف الذي عاد وتطور بعيد التاسعة من ليل أول من أمس، فحاول محمد الحجيري إنهاءه بطرد العامل السوري من الفرن، لكن المختار كرمبي لحِق بالأخير قاصداً حسم الأمر بيده.
هنا لجأ العامل السوري إلى منزل رائف حمية المحاذي للفرن، محتمياً بالأخير، وهو مالك البناء الذي يقع الفرن فيه. لكن المختار كرمبي لحق به إلى المنزل أيضاً، وطالب بخروجه في ظل رفض رائف حمية القاطع لتسليمه.
في هذه الأثناء اتصل المختار كرمبي بأشخاص من بلدة عرسال، وطلب منهم أن يحضروا إلى محيط الفرن على عجل. وفي الوقت نفسه، بناءً على اتصال من شباب العين، وصلت دورية من الدرك إلى منزل رائف حمية وطالبت بتسليمها العامل السوري لإجراء المقتضى، لكن رائف لم يقبل، فتدخل محمد الحجيري (صاحب الفرن) وقال لرائف إنه سيأخذه بسيارته وعلى مسؤوليته الخاصة. قبِلَ رائف بالعرض، وسلّم الشاب السوري. في الطريق إلى مخفر الدرك في رأس بعلبك، كانت آلية للدرك ترافق سيارة محمد الحجيري، فاعترضت مجموعة من المسلحين (يشتبه في أنهم الأشخاص الذين طلبهم المختار كرمبي من عرسال)، سيارة محمد الحجيري وضرب أفرادُها العاملَ السوري ضرباً مبرحاً على مرأى من عناصر الدرك، ثم فروا هاربين. بعدها، أكملت السيارة وآلية الدرك المسير إلى المخفر، حيث جرت مصالحة بين المتخاصِمَين وأخلي سبيل الجميع.
عندما عاد محمد الحجيري إلى الفرن، أوقَفه رائف أمام باب المنزل وعاتَبَه على ما حصل في الطريق، قائلاً له: «أهكذا تَحفظ الأمانة؟». وبين مد وجزر كلامي، تطور الأمر إلى عراك بالأيدي أنهاه سيل الرصاص العشوائي الذي انطلق من بنادق مجهولين، يشتبه في أنهم من أصدقاء المختار كرمبي، ما أدى إلى جرح رائف حمية وحسين نزهة الذي كان في ضيافة رائف، إضافة إلى المختار يوسف جعفر الذي كان يحاول حل الخلاف. وقد أصيب عدد من الشبان والأطفال والنساء الذين كانوا موجودين في المكان بجروح طفيفة.
في هذا الوقت، علمت والدة رائف حمية (رئيفة صالح) بأمر إصابة ابنها، فدخلت إلى الفرن معاتبة على ما جرى، لكن طلقات من الرصاص العشوائي الذي كان يمطر المكان أرداها قتيلة، فتحول الخلاف الفردي إلى جريمة قتل.
لم تنته القصة عند ردة الفعل بتكسير الفرن والسيارات وغيرها، بل انتقلت إلى بلدة النبي عثمان، حيث أغلق عدد من أبناء البلدة الطريق بعدما علموا بإصابة ابن بلدتهم حسين نزهة على يد أصدقاء المختار كرمبي. وبينما كانت دورية مؤللة للجيش اللبناني تؤازر سيارة إسعاف تقل أحد الجرحى، اخترقتها سيارة تُقِل شباناً من بلدة النبي عثمان، وأطلقوا النار على سيارة الإسعاف، فرد عناصر الجيش بإطلاق النار، ودارت اشتباكات قُتِل على أثرها محمد صالح نزهة وأصيب أربعة أشخاص بجروح، فضلاً عن تضرر آلية للجيش.
وبعدما كثّف الجيش اللبناني من حضور وحداته المؤللة، انتهت الاشتباكات، في وقت بدأت فيه القوى الأمنية، وتحديداً فصيلة درك رأس بعلبك، إجراء التحقيقات ومعاينة مكان الحادث والسيارات المشاركة في الاشتباكات.
وعُلِم أن النيابة العامة أشارت بتوقيف بعض الأشخاص المشتبه في ضلوعهم بإطلاق الرصاص.
شُيِّع القتيلان يوم أمس في ظل سلّة من الأسئلة التي تراود أبناء المنطقة عن مصير التحقيقات، وعما إذا كانت التنقلات ستبقى آمنة في المنطقة، وعن دور القوى الأمنية في فرض سيطرتها وحفاظها على أمن الناس الذي بات مستباحاً.