أنطون الخوري حربفي أعقاب الاجتياح الأميركي للعراق، دخل أحد الأساقفة الموارنة الاغترابيين إلى مكتب البطريرك نصر الله صفير ليسأله: «سيّدنا، هل أنت مستعد للوثوق بالأميركيين هذه المرة؟» فأجابه البطريرك: «أنا خائف أن نثق بهم ثم يتركوننا كما فعلوا في الطائف، فتفاهموا مع سوريا على تجميده وجعلوني أتحمل وحدي مسؤولية تغطية ذلك الاتفاق مسيحياً في وجه الجنرال عون وتياره، والآن يسخر السافرون من كوني صدقت تلك الخدعة ولم أصدق عون».
وأضاف البطريرك حينها «منذ أيام زارني دايفيد ساترفيلد الذي أوكلت إليه الرعاية الأميركية لإنجاز الاتفاق عام 1989، فأعلمته بارتياحي لموقف وزير خارجيته كولن باول في بيروت الداعي إلى الخروج السوري من لبنان، فأجابني بأن إدارته تنظر إلى لبنان كدولة رسمية بحاجة إلى دولة أخرى لتديرها، كما أبلغني بأنه أعلم «قرنة شهوان» بهذا الموقف. ولما أبديت استغرابي لكلامه بدّل الكلام ليسألني رأيي في الحكومة التي شكلها الرئيس الراحل رفيق الحريري، واصفاً إياها بحكومة القبضة السورية الحديدية». وفي اليوم التالي أعلن صفير في تصريح متلفز رفضه التدخل الأميركي والفرنسي بين لبنان وسوريا، كما لقانون محاسبة سوريا. واستمر الرفض البطريركي بمواكبة «قرنة شهوان ليشمل القرار 1559 رغم رفض التمديد للرئيس السابق إميل لحود.
وعند إعلان اتفاق الدوحة صودف وجود البطريرك في واشنطن، ولدى لقائه أحد كبار الدبلوماسيين بوجود الأسقف ذاته، أعرب صفير عن ارتياحه لاتفاق الأفرقاء على حل ينهي الأزمة، فلم يشارك الدبلوماسي الأميركي ضيفه ارتياحه، بل راح يشرح نظرة إدارته لحزب الله كمنظمة إرهابية، إضافة إلى تأكيده عزم أية إدارة أميركية على تنفيذ البند الخاص بالميليشيات في القرار 1559.
ولما قال الأسقف المرافق إن كل الأطراف اللبنانيين أجمعوا حول طاولة الحوار على كون حزب الله مقاومة وطنية وليس ميليشيا، أبدى المسؤول الأميركي استغرابه ثم اشتد استغرابه حين أخبره الأسقف بأن للحزب نواباً منتخبين في البرلمان، وبعد انتهاء اللقاء أسرّ البطريرك لمرافقه بأن «معظم ما ينقله إليه الفريق الأكثري عن المواقف الأميركية من لبنان خاطئ أو مختلق».
ويعلق أحد الأساقفة على هذه الواقعة باعتبارها أحد أهم الشواهد التي جعلته يتّعظ من تجربة سيده، متمنياً لو يقف البطريرك على مسافة واحدة من الأفرقاء في المرحلة المقبلة التي ستشهد في رأيه تهافتا أكثرياً على البطريركية في محاولة للوقوف وراء سيدها في الانتخابات التي ينوي فريق 14 آذار جعل صفير عنواناً مسيحياً لها.
الأسقف الملتزم سدّ أبواب مطرانيته أمام أي مهتم بالشأن الانتخابي هذا الصيف، لا يعتقد أن الانتخابات ستجرى وفق قانون دورة الـ2000 لكون النائب وليد جنبلاط يعتبر نفسه المتضرر الأول من هذا القانون، لأن تحالف التيار الوطني الحر وحزب الله سيفقده دائرة بعبدا عاليه التي تضم قضاءين إداريين يشتملان على أحد عشر نائباً في كتلته الحالية. لذلك فالاعتقاد الغالب في أوساط بكركي هو سير الانتخابات المقبلة وفق القانون الذي اتفق عليه في الدوحة أو لن تكون هناك انتخابات. لكن مفاجأة الأساقفة الموارنة هذه المرة ستتمثل بالموقف المتشدد تجاه كل من «تسوّل له نفسه تعطيل الانتخابات أو السير بها وفق قانون الـ2000.