تواجه المرأة اللبنانية المتزوجة بأجنبي، الكثير من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والنفسية بسبب قانون الجنسية الذي يطعن بهوية الزوج والأطفال. حملة «جنسيتي» تنتظر النوّاب الجدد لتطلق خطة عمل تدفع نحو تعديل القانون
لمى كحّال

مثّل زواج سامية برجل غير لبناني أساساً لمعاناتها المستمرة منذ ثلاثة عقود، حين تزوجت رجلاً عراقياً وأنجبت منه ولدين. سامية انفصلت عن زوجها بعدما حصلت على حق حضانة ولديها وباتت هي المعيل الوحيد لهما، وخصوصاً أنها لم تتلقّ أي نفقة من طليقها. منذ ذلك الوقت، بدأت تشعر بالتمييز الذي يتعرض له ولداها في لبنان لأنهما يحملان الجنسية العراقية من دون أن تستطيع هي إعطاءهما جنسيتها اللبنانية، لأن القانون اللبناني لا يجيز لها ذلك.
أثناء المرحلة التعليمية لولديها، كانت سامية تحصل لهما على الإقامة المجانية ـــــ إقامة المجاملة ـــــ ليبقى وضعهما شرعياً على الأراضي اللبنانية. إلا أن المشكلة تفاقمت حين تخرّجا من الجامعة، حيث لم يعد يحق لهما الحصول على الإقامة المجانية، إضافةً إلى أن أمهما لا تستطيع تحمّل كلفة أي إجازة عمل. وبهذا، ظل وجود الشابين في لبنان غير شرعي، فما كان أمامهما سوى السفر إلى بلد آخر يجدان فيه الاحترام ويجدان فيه عملاً يؤمّن حقوقهما الإنسانية التي حرمهما إيّاها وطن الأم. وبهذا حُرمت سامية ولديها، وربما ليس أمامها سوى أن تتخلى هي أيضاً عن إقامتها في لبنان وتلحق بولديها.

في القانون

تتعارض مواد قانون الجنسية اللبناني مع نص الدستور اللبناني من جهة، ومع روحية الاتفاقات الدولية من جهة ثانية. فالمادة السابعة من الدستور تكرس مبدأ «عدم التمييز بين المواطنين واللبنانيين»، وتعزّز مبدأ المساواة بين النساء والرجال.
من جهة ثانية، وقّع لبنان عام 1996 «اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة» المعتمدة من الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكنه تحفّظ على البند الثاني من المادة التاسعة المتعلق بمنح المرأة حقاً مساوياً لحق الرجل في ما يتعلق بجنسية أطفالها.
أما قانون الجنسية اللبناني، فيتنافى مع مبدأ المساواة بين المرأة والرجل، ويتعامل مع المرأة بدونية إزاء ما يتعلق بإعطائها الجنسية لعائلتها. وتنص المواد الأولى والثانية والرابعة من القانون على أن اللبناني هو «كل شخص مولود لأب لبناني»، وكل ولد غير شرعي ثبتت بنوّته وهو قاصر، ويحمل أحد والديه الجنسية اللبنانية، أو كل ولد قاصر لأب اتخذ التابعية اللبنانية أو لأم اتخذت هذه التابعية وبقيت حية بعد وفاة الأب الأجنبي، إلا إذا كان في السنة التي تلي بلوغه الرشد يرفض هذه التابعية.
أما في حالة زواج اللبناني بأجنبية، فقد منح القانون الرجل حق إعطاء جنسيته لزوجته الأجنبية ولأولاده. إذ ينص القانون على أنه «يحق للمرأة غير اللبنانية المتزوّجة من لبناني أن تكتسب الجنسية اللبنانية بموجب معاملة إدارية بعد مرور سنة على تسجيل الزواج رسمياً لدى الدوائر المختصة». وفي هذا تمييز واضح بين الرجل والمرأة، وإعطاء الأفضلية للأجنبية إن اقترنت بلبناني على أي لبنانية تقترن بأجنبي.

حجج الدولة

تقدّم الدولة عدة حجج لعدم تعديل قانون الجنسية. وأولى هذه الحجج القضية الفلسطينية، وضرورة عدم إعطاء الجنسية اللبنانية للفلسطينيين المتزوجين بلبنانيات أو لأولادهم، لأن هذا يسحب منهم هويتهم الفلسطينية ويهدّد حق العودة. كما أن هذا يتعارض مع ميثاق الجامعة العربية الذي يوصي الدول التي يعيش فيها لاجئون فلسطينيون بعدم توطينهم وذلك للحفاظ على الهوية الفلسطينية وحق العودة. وتشرح منسقة حملة الجنسية في لبنان في «مجموعة الأبحاث والتدريب» ر. المصري أنه «يجب الاستفادة من تجارب الدول الأخرى. فمصر أيضاً يعيش فيها لاجئون فلسطينيون، لكنها عدّلت قانون الجنسية وأقرّت حق الأم المصرية إعطاء الجنسية المصرية لأولادها فقط».
ومن الأمور التي تجعل حجة الدولة ضعيفة، إعطاء القانون الرجل اللبناني حق إعطاء زوجته الأجنبية وأولاده الجنسية اللبنانية. فإذا تزوّج اللبناني فلسطينية، فإنها تحصل على الجنسية اللبنانية، وإذا كان لها أولاد من زواج آخر، فإنهم يحصلون على الجنسية أيضاً. «أين حجة الدولة بالنسبة إلى التوطين وحق العودة للمرأة الفلسطينية في هذا؟»، تضيف المصري.
وكان أحد السياسيين قد اقترح استثناء الفلسطينيين من هذا القانون إن جرى تعديله، غير أن «حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي» لا يمكنها أن توافق على استثناء أي طرف، وأن يتم تمييز فريق على آخر»، تؤكد المصري. مشيرة إلى حالة مثيرة للجدل وقعت في لبنان، حيث تزوج لبناني إسرائيلية، وقضت المحكمة بتسجيل الزواج، وتقييد الزوجة التي تحمل الجنسية الإسرائيلية على خانة زوجها اللبناني!
أما الحجة الثانية التي تقدمها الدولة، فهي مرتبطة بالتوزيع الطائفي والديموغرافي في لبنان. ويعبّر عدد من السياسيين في لبنان عن تخوفهم من أن يتأثر التوزيع الطائفي إذا جرى تعديل القانون، مما يؤثر على نتائج الانتخابات. من جهة ثانية، يربط البعض تعديل هذا القانون بإعطاء المغتربين اللبنانيين حق الانتخاب والتصويت. وهذا الأمر غير عادل، ذلك أن «عدد المغتربين يبلغ 12 مليوناً، فيما لا يتجاوز عدد اللبنانيات المتزوجات بأجنبي الألف، وفق دراسة قديمة نسبياً، أعدها كمال فغالي عام 2003».

زواج مكلف

لا يرتبط عدم إعطاء اللبنانية الجنسية اللبنانية إلى زوجها وأولادها بمسألة المواطنة والانتماء إلى الوطن فحسب، بل يطال كل جوانب الحياة والتفاصيل اليومية التي تعيشها الأسرة. فبدايةً، لا يتمتع الزوج والأولاد بصفة المواطنين، رغم أن الزوج قرّر ترك وطنه الأم ليعيش مع زوجته في لبنان. وبذلك، يُحرم الزوج والأولاد الحقوق التي يتمتع بها أي لبناني، كما أنه يقع على كاهلهم واجبات هم في أغلب الأحيان عاجزين عن تلبيتها.
تشرح منسقة الوحدة القانونية في مجموعة الأبحاث والتدريب كريمة شبو الخطوات القانونية الواجبة على الزوج الأجنبي بعد اقترانه بلبنانية. بداية، ينبغي أن يكون هناك عقد زواج شرعي مصدّق، يقوم بعدها الزوج بتسجيل الزواج في سفارة بلده في لبنان لكي تصير الزوجة مسجلة على اسم زوجها. بعد ذلك، يتوجه الزوج إلى وزارة العمل ليحصل على إجازة عمل، وعليه أن يدفع مبلغاً مالياً وفق فئة العمل التي ينتمي إليها. ومن ثم عليه الحصول على إقامة من الأمن العام لكي يكون وجوده شرعياً على الأراضي اللبنانية، يقوم بتجديدها سنوياً ودفع مبلغ من المال يراوح بين 200 دولار و1200 دولار حسب الفئة التي ينتمي إليها. «ويعدّ الحصول على الإقامة من أصعب المراحل على الرجل»، تضيف شبو.
أما بالنسبة إلى الأولاد، فعند ولادة أي طفل ينبغي الحصول له على وثيقة ولادة ومن ثم تسجيل ولادته في سفارة بلد الأب، لكي يحصل على جنسية والده وعلى جواز سفر، وإلا ظل من دون هوية. وأحياناً، عن سوء إدراك أو عن إهمال، لا يسجّل الأب أولاده في السفارة، فيبقى الأولاد مكتومي القيد لا يحملون سوى وثيقة ولادة.
أما إذا كان معهم جواز سفر كما ينبغي، فهم يحصلون على إقامة مجانية حتى عمر 18 عاماً، وتستمر هذه الإقامة المجانية حتى إنهائهم تعليمهم الجامعي. لكن مزاولة أي عمل أثناء هذه المرحلة يلغي الإقامة المجانية ويحتم عليهم الحصول على إجازة عمل. وتشرح شبو أن «هناك الكثير من الأشخاص لا يعرفون حقوقهم وواجباتهم. فمنهم من لا يعرف أن على الزوج الحصول على الإقامة، وغيرها من الواجبات القانونية. وبعضهم لا يعرف أن هناك إقامة مجانية للأولاد. فنجد بعض الأمهات يدفعن إقامة لأولادهن من دون أن يوجههن موظفو الأمن العام ويُعلِموهن بوجود الإقامة المجانية. وذلك إما لعدم علم موظف الأمن العام بها، أو لأسباب مزاجية أحياناً».
يبقى الوضع المعيشي الذي يعدّ مشكلة حقيقية، وخصوصاً أن الدراسة الإحصائية كشفت أن النسبة الأكبر من هذه الأسر لا تتمتع بوضع معيشي مرتفع. وتعدّ كلفة الإقامة السنوية للزوج وللأولاد، إذا أنهوا المرحلة التعليمية، عبئاً كبيراً على الأسرة، التي يجب عليها أن تقتطع من مدخولها كل شهر لكي توفر المبلغ، إضافةً إلى ذلك، لا يتمتع الزوج والأولاد بالضمان الصحي لأنهم غير لبنانيين.

النوّاب الجدد

تعدّ حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي»، التي تخوضها مجموعة من الجمعيات النسائية من بينها «مجموعة الأبحاث والتدريب» خطة عمل للمرحلة المقبلة تستهدف مجلس النواب الذي سيتم انتخابه عام 2009 لكي يعدّل قانون الجنسية.
وتنوي الحملة التعاطي مع النواب في المجلس النيابي، إما ككتل نيابية أو كلجان نيابية، ذلك أن الكتلة تضم «لوناً» واحداً،
أما اللجنة النيابية، فتضم «ألواناً متعددة»، فتضمن الحملة بذلك أصوات نواب الكتلة، أو أكثر من كتلة في وقت واحد.
تقول المصري: «النواب عندهم هواجسهم، ونحن عندنا مطالبنا وحقوقنا. ولا بد من وجود حل ما يؤمّن حقوقنا ويحترم هواجسهم في الوقت نفسه. فمخاوف النواب ليست أهم من مطالب الناس وهواجسهم».


مشاكل بالجملة

الزوج خادم لدى السيدة... زوجته!ولا ينعكس القانون سلباً على اللبنانيات المتزوّجات بأجانب واللواتي يعشن في لبنان وحسب، بل على اللبنانيات المتزوجات بأجانب ويعشن في بلدان أزواجهن أو في بلدان أخرى خارج لبنان. فعلى الأسرة، إذا كانت تخطط للانتقال إلى لبنان والاستقرار فيه، أن تفكر جيداً قبل اتخاذ هذا القرار. وإذا رغبت بمجرد زيارة لبنان فعليها التوقف عند عدة اعتبارات. فالتأشيرة التي يحصل عليها الزوج لا تخدمه أكثر من شهر، أما بالنسبة إلى الأولاد، فقليلات هن النساء اللواتي يعرفن بوجود إقامة المجاملة المجانية لأولادهن، وإذا عرفن فعن طريق الصدفة. فسفارات لبنان في الخارج لا تكلّف نفسها عناء إخبارهن بهذا الأمر.
أما في حالة الانفصال أو الطلاق بين الزوجين، فتصبح المشاكل أكبر وأكثر تعقيداً، كما حالة سعاد التي تعيش وولديها حالة قلق يومية. فقد انفصلت عن زوجها السوري الجنسية، وحصلت على حق حضانة الأطفال إلى حين بلوغهم سن الرشد. إلا أنها لم تعرف بعد إن كان زوجها، الذي عاد إلى سوريا، قد سجل طلاقه منها في بلده. ولتجديد إقامة ولديها، عليها الحصول على إخراج قيد جديد لهما من سوريا لكنها تتردد في السفر خوفاً من أن يطالب بها زوجها في حال عدم تسجيل الطلاق. وتطرح هذه الحالة أيضاً مسألة التجنيد الإجباري للأولاد الذكور. فهل يعقل أن يذهب الشاب إلى بلده للخدمة العسكرية، وهو لم يعش في هذا البلد، ولا يعرف منه سوى الجنسية على بطاقة الهوية؟