هكذا فاوضت المقاومة ليكون لبنان أول دولة عربيّة تستعيد أسراها وشهداءها بعد تحرير الأرض وصدّ العدواناغتنم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إنجاز عمليّة التبادل من أجل إحداث خرق في الأزمة اللبنانيّة، عبر إعلانه فتح كل الأبواب أمام أي لقاء سياسي، داعياً إلى أن تكون فرحة عودة الأسرى وطنيةً جامعةً. وتحدث عن تفاصيل عمليّة التفاوض دون أن يُحدّد مصير الجنديين الإسرائيليين
أعطى نصر الله موافقة حزبه على اتفاق تبادل الأسرى مع إسرائيل قائلاً: «أعلن بشكل رسمي أن الاتفاق المعلن مقبول من طرفنا ومنجز، وكل الترتيبات سنمشي بها». وأضاف: «لن أحدد يوماً للتبادل حتى لا يُناكف الإسرائيليون، لكن من الممكن أن يكون في 15 تموز أو قبل ذلك بقليل أو بعده».
وأشار إلى أنه بعد انتهاء حرب تموز وصدور القرار 1701، كان المطلوب القيام بجهد لحل قضية الأسرى، كاشفاً أن الوساطة قام بها الأمين العام للأمم المتحدة لا ألمانيا، وقال: «كلّف الأمين العام للأمم المتحدة مسؤولاً ألمانياً مرجعيته أممية، لكن هذا لا يعني أن لا دور لألمانيا التي تدخّلت لفكفكة بعض العقد».
وشرح مراحل التفاوض حيث «تم التوصل قبل أسابيع إلى اتفاق مبدئي بحاجة إلى إقرار إسرائيلي، وكان القرار يُفترض أن يبقى سرياً، لكن الإعلام الإسرائيلي دخل في التفاصيل».
وقال إن الحزب تعلّم من خبرته في المفاوضات السابقة أن اطّلاع الإعلام على التفاصيل يعقّد الأمور، «وبعد عملية الأسر في 12 تموز، لم أحدد سقفاً، تكلّمت عن الأسرى بشكل عام، وموضوع العملية الأساسي كان القنطار، لكنني لم أضع سقوفاً».
وقال إن الإسرائيلي «كان يخوض معنا معركة كسر الصدقية». ولفت إلى أن عملية التفاوض «كانت صعبة وشاقة وطويلة، وأحيانا بطيئة، وفي بعض الأوقات تجمّدت»، لكنه قال: «لم نصل يوماً إلى مكان نقول فيه انتهت المفاوضات، وكان الباب مفتوحاً على الدوام من الطرفين».
وأوضح أنه إلى ما قبل أشهر، كان النقاش في مبادئ الاتفاق والصفقة، محدّداً المبادئ التي أرادتها المقاومة: إطلاق جميع الأسرى اللبنانيين، وفي مقدمهم سمير القنطار، وأجساد الشهداء حتى الذين لم يسقطوا في عملية الوعد الصادق، إضافة إلى حسم ملف كل المفقودين، وكذلك إطلاق أسرى فلسطينيين وعرب، فضلاً عن الحصول على معلومات في موضوع الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة «الذين نعتقد أن القوات اللبنانية في ذلك الحين احتجزتهم وسلّمتهم إلى العدو الإسرائيلي».
وقال نصر الله: «في المقابل، كان لدى الطرف الإسرائيلي موضوع رون أراد والجنديين الأسيرين وقضية الأشلاء التي كان قد نسيها قبل أن نقوم نحن بإثارة الموضوع»، متابعاً أن الإسرائيلي وافق بداية على إطلاق اللبنانيين ما عدا عميد الأسرى سمير القنطار.
وأوضح أن عملية التفاوض سارت دون تحقيق أي تقدّم في السنة الأولى، «أما في الأشهر الماضية فقد حصل بعض الاختراقات، «الخرق الأول كان إنسانياً وقضى بإطلاق حسن عقيل، وهو أخ مدني، وثانياً استعادة شهيدين للمقاومة في مقابل جثة مستوطن إسرائيلي أرسلته إلينا البحار». ثم كان الخرق الأخير عبر إطلاق الأسير نسيم نسر وتسليم أشلاء عدد من الجنود الإسرائيليين. وأضاف لن أحدد مدة كي لا أزيد في إحراج الطرف الآخر. دخل سمير القنطار في الصفقة وأعطيت موافقة مبدئية على أن يشمل الاتفاق كل الأسرى اللبنانيين». ولفت إلى أن الطرف الإسرائيلي يصرّ على أن يحيى سكاف استشهد، «فقلنا إننا نريد جثته لتسليمها إلى أهله. في التبادل السابق رفضوا ذلك، أما الآن فسيتم تسليم كل شهداء عملية دلال المغربي، وتحليل الـDNA سيحدد ما إذا كان سكاف من بين الجثث أم لا يزال حياً».
وأسهب في الشرح فقال: «وافق الإسرائيلي على إعادة شهداء الوعد الصادق، وكل الرفات من قبل 1980 لما بعد 1982، ويشمل ذلك فلسطينيين وعرباً. العدد المقدّر هو قرابة 200، بدأوا بنبش المقابر، وأهمية الموضوع هي في المستوى العاطفي والنفسي. وفي شأن محمد فران، الصياد الذي فقد في سواحل الجنوب وعثر لاحقاً على قاربه عند الإسرائيليين، اعتبرنا أن الإسرائيليين يتحملون مسؤوليته. المفروض في اللوائح أن يتحدد مصيره.
بالنسبة إلى سائر المفقودين، سنتمكن من حسم عدد كبير من ملفاتهم. وفي الموضوع الإيراني لم يكن من جديد، والمفترض أن يتسلّم الوسيط الأممي الألماني تقريراً إسرائيلياً عن الموضوع، ونحن أطلعنا الوسيط على تقريرنا عن رون أراد، وأعتقد أن الوسيط سيأتي في اليومين المقبلين لتسلّم التقرير الخطي عن مصير أراد. بعد التبادل الأخير، عملنا على موضوع أراد بشكل جدي وكبير وليس له سابقة، وعملنا (حينها) على خطين: خط كشف مصير أراد وخط القيام بعملية أسر».
وأشار إلى أن الحزب وصل إلى استنتاج قاطع مبني على قرائن «ولن أعلن عنه إعلامياً، بل سنقدّم ما لدينا للوسيط الألماني، ومن حقه أن ينشر التقرير والاستنتاج أو يعلن عنه»، لافتاً إلى أنه لن يتحدّث عن ملف الأسرى العرب الفلسطينيين إلّا عند استقبال الأسرى، وأنه أثناء المفاوضات كان الإسرائيلي يجيب في الموضوع الفلسطيني أن إعطاء حزب الله شيء ما سيكون له تداعيات استراتيجية خطيرة عليه، لأن لديه مفاوضات مع حماس عن شاليط ومع السلطة الفلسطينية. وأكّد عدم ربط المفاوضات بين «الأسيرين لدينا وجلعاد شاليط، واتفقنا على أن هذين مساران مختلفان».
في ما يتعلق بالأسرى العرب «اعتبر الإسرائيلي أن لديه مشكلة، فهو وقّع سلاماً مع الأردن، لذلك لا يمكنه أن يسلّم أسرى أردنيين، كذلك الأمر مع سوريا. فالإسرائيلي لا يريد أن يكرّس حزب الله مفاوضاً عن كل العرب. كذلك فهو يقوم بمفاوضات مع سوريا».
وختم حديثه بثلاث نقاط، الأولى بارك فيها للبنانيين جميعاً الإنجاز والانتصار، متمنياً «أن يعتبروا أن الإنجار للكل والنصر للكل، ولا نريد الاستفادة منه في أية معادلة داخلية». في النقطة الثانية، رأى أن الانتصار لكل المقاومة وكل صاحب ضمير حر، وأن «قوافل الشهداء تزيد على 200، لبنانيين وفلسطينيين وعرباً من مختلف الانتماءات والطوائف، وتشييع هؤلاء الشهداء يجب أن يكون فرصة للمّ الشمل واللقاء مجدداً ولقاءً وطنياً جامعاً.
وأمام عظمة الإنجاز الذي صنعته دماء الشهداء، أعلن انفتاحنا السياسي المطلق على أي لقاء سياسي وأي اجتماع تحت أي عنوان، إذا كان يساعد في لم الشمل وتجاوز المرحلة السابقة بما فيها من حساسيات، لذلك أنا أيضاً أدعو كل اللبنانييين للاحتفال في هذه المناسبة بعرس وطني». والنقطة الثالثة كانت الأمل بأن تبتعد كل القوى عن أي شعار أو تصرف استفزازي.
وعن موضوع إشراك الدولة في مفاوضات التبادل، قال إنه لا مانع، «إنما المشكلة الأساسية هي أن العالم طالب بتسليم الأسيرين إلى الدولة، وكان شرطنا أن يبقى الأسيران معنا».
وعن مصير الجنديين قال نصر الله: «كل الكلام في إسرائيل عن مصير الجنديين هو تحليل واستنتاج. قال رئيس الموساد إن لديه مصدراً سمعياً موثوقاً، أي إنه ليس حسّياً. لم نقدم أية معلومات عن مصيرهما».
وتحدث نصر الله عن تعطيل اتفاق الدوحة فقال: «سمعت كثيراً في الأيام الماضية أننا نريد تعطيل اتفاق الدوحة كي لا يتم التطرق إلى سلاحنا، وهذا كلام مضحك. هل يعقل بعد تضحيات عامين أن نعطّل الحكومة وهي مطلبنا. فلنحترم عقول الناس. هل ما نقوم به تعطيل؟
ومن اعتبر حكومة الوحدة الوطنية انتحاراً لا يعطل؟».
وعن قانون الانتخاب قال: «كنا أكثر من طالب بانتخابات نيابية مبكرة، ولدينا معلومات عن أن رايس ناقشت تأجيل الانتخابات النيابية».