نقولا ناصيفتدرج أوساط قريبة من الرئيس المكلف فؤاد السنيورة موقفه من المأزق الحكومي، المتخبّط في أسبوعه الخامس، وفق المعطيات الآتية:
1 ـــــ لم يقطع السنيورة الاتصالات والمشاورات في اليومين المنصرمين بسبب تعذّر الاتفاق مع الرئيس ميشال عون على سلة الحقائب التي يطالب بها الأخير، بل ارتأى أن يفسح لتلك التي بدأ يجريها رئيس الجمهورية ميشال سليمان، في محاولة للتدخّل الشخصي على خط هذا التعثر بغية تعويم الحوار حول تأليف حكومة الوحدة الوطنية. إذ يرى السنيورة مهمته كرئيس مكلف تتكامل مع الدور نفسه لرئيس الجمهورية، ما دام الرجلان صاحبي الصلاحية الدستورية في توقيع مرسوم تأليف الحكومة الجديدة، وما دام أحدهما لا يستطيع الانفراد بتشكيل الحكومة ولا توقيع مراسيمها دون الآخر، ولأن الاثنين معاً معنيان بإنجاح فرصة تعاونهما للمرة الأولى في الحكم. والأحرى أنهما معنيان خصوصاً بإخراج التجاذب الحكومي من يدي الموالاة والمعارضة كي يضعا المبادرة وقرار تأليف الحكومة في يديهما.
2 ـــــ يعتقد الرئيس المكلف أن الفرصة المتاحة هي لتأليف حكومة الوحدة الوطنية التي نصّ عليها اتفاق الدوحة، الأمر الذي يستثني في الوقت الحاضر كل خيارات أخرى بديلة، لكون الأفرقاء المعنيين، جميعاً، لا يزالون يرونه الإطار الأفضل لبناء السلطة الإجرائية في المدة الفاصلة عن الانتخابات النيابية ربيع 2009، وكي يكونوا في قلبها للإشراف مباشرة على إدارتهم تلك الانتخابات.
ولأن لا خيار سوى تذليل العقبات من طريق تأليف الحكومة الجديدة، فإن موقف السنيورة من طريقة توزيع الحقائب فيها على قوى 14 آذار والمعارضة ينطلق من قاعدة متوازنة تراعي الحصص التي حدّدها اتفاق الدوحة لكل من طرفي النزاع، وفي الوقت نفسه إخراج صيغة تأخذ في الاعتبار الحرص على التوازن في فئات الحقائب الوزارية، المصنّفة أربع مراتب هي السيادية والأساسية والخدماتية والثانوية. تالياً فإن كلاً من الفريقين يقتضي حصوله على حصة في كل من تلك الحقائب بلا استئثار أو وضع اليد على إحداها دون سواها، مهما تكن المبرّرات التي يتسلح بها هذا الفريق أو ذاك دفاعاً عن وجهة نظره. وبحسب هذا التقويم للرئيس المكلف، على ما تقول الأوساط القريبة منه، فهو يعمل على تأليف حكومة متوازنة أكثر منها حكومة وحدة وطنية، لأن المطلوب بالفعل، في المرحلة الانتقالية، وإلى أن تنبثق من الانتخابات النيابية المقبلة أكثرية جديدة، نشوء سلطة متوازنة تحافظ على استقرار الحكم.
3 ـــــ يدرك الرئيس المكلف أن ما ينطبق على رئيس الجمهورية كرئيس توافقي لا يصحّ عليه، لكونه يعدّ نفسه طرفاً في النزاع السياسي، وقد انبثق تكليفه من الغالبية التي تمثلها قوى 14 آذار في مجلس النواب، وهو يعتبر نفسه ممثلاً لهذه القوى في السلطة، ولا يتردّد في التصرّف على أساس أنه جزء من فريق سياسي. بيد أن موقعه هذا لا يحجب دوره، وهو أنه الشريك الفعلي مع رئيس الجمهورية في تأليف حكومة تراعي مصالح الأفرقاء جميعاً. وهو مغزى موقفه من الخلاف الناشب بينه وبين عون حيال سلة الحقائب التي يصرّ رئيس تكتل التغيير والإصلاح على انتزاعها. وبعودة الاتصالات مع الأخير، من غير أن يتأكد حتى الآن هل الجولة الجديدة من الحوار ستفضي فعلاً إلى تأليف الحكومة الجديدة، يعتقد الرئيس المكلف أن التوزيع المتوازن للحقائب الـ22 يقتضي أن يلحظ إجراءين متلازمين: أولهما توزيعها مناصفة بين المسيحيين والمسلمين فيحصل كل منهما على 11 حقيبة. وثانيهما تقدير هذا التوزيع للكتلتين السياسيتين الكبيرتين المتنافستين، أي الموالاة والمعارضة، وفق النسبة التي حدّدها لهما اتفاق الدوحة، القائلة بـ12 حقيبة للموالاة هي نسبة تمثيلها في الحكومة (16 وزيراً)، في مقابل ثماني حقائب للمعارضة هي بدورها نسبة تمثيلها في الحكومة (11 وزيراً)، إلى حقيبتين أخريين لرئيس الجمهورية. وهذا يعني أن أي تعديل للمقاعد ينبغي أن يجد حلاً له من ضمن حصة كل من الفريقين داخل صفوفهما، مع الأخذ في الاعتبار تقاسم الطوائف الرئيسية ـــــ وأخصها الثلاث الكبرى ـــــ الحقائب السيادية والأساسية والخدماتية، وصولاً إلى تلك الثانوية وحقائب وزارة الدولة. حمل ذلك الرئيس المكلف على التأكيد لمحاوريه مراراً أن زيادة حصة عون في الحكومة الجديدة لا يمكن احتسابها من خلال تجزئة حصة الموالاة، بل يجب أن يصار إلى المقايضة على هذه الزيادة مع حلفائه في المعارضة. فحقيبة خدماتية ثانية كالأشغال العامة والنقل يحصل عليها عون ما أن يتخلى أحد حليفيه عن إحدى حقيبتيهما الخدماتيتين كالصحة لحركة أمل، والعمل لحزب الله.
في واقع الأمر تتشبّث الموالاة، ولا سيما الفريق السنّي فيها، بحصة ترى أن لا تنقص عمّا يطالب به هذا الفريق الذي تساهل ـــــ وكان رأس حربة المواجهة مع سوريا وحلفائها ـــــ في توزيع حقائب حكومة 2005 على نحو أعطى الوزراء الشيعة في تلك الحكومة خمس حقائب، فيما حصل الوزراء السنّة على أربع، والوزيران الدرزيان على اثنتين. حينذاك أولى الفريق السنّي في الموالاة أهمية استثنائية للتحقيق الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري بتخليه عن الحصة الرئيسية في هذا التوزيع الذي يظلّ في الغالب رهن تفاهم الطوائف الإسلامية الثلاث على تقاسم الحقائب الـ11 من مجموع الحقائب الـ22. وكانت الحقائب الرئيسية والخدماتية قد ذهب معظمها إلى الوزراء الشيعة الخمسة (الخارجية والصحة والعمل والطاقة والزراعة)، بينما حصل الوزراء السنّة على (الداخلية والأشغال العامة والنقل والتربية والشباب والرياضة)، إلى الوزيرين الدرزيين (الاتصالات والإعلام). وسواء رجّحت قوى 14 آذار الكفة في حكومة 2005 بالنظر إلى تحالفها السياسي العريض إسلامياً ومسيحياً، أو بالنسبة إلى حجم الاحتضان الدولي لدورها المفترض به مواجهة سوريا ومؤازرة 14 آذار في السيطرة على الغالبية البرلمانية وزيادة عدد وزرائها في تلك الحكومة، فإن الوزراء الشيعة هم الذين قطفوا الحصة المرجحة. وهذا ما لا يبدو الفريق السنّي في وارد تكرار تجربته، لا من ضمن الحصة الإسلامية، ولا من ضمن الحصة الشاملة التي يتقاسمها أفرقاء الموالاة من داخل تحالفهم السياسي العريض.