إبراهيم الأمينالصدمة الإيجابية التي ظهرت على أوساط سياسية في فريق الأكثرية، جراء إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله استعداده لأي لقاء سياسي، ليست هي ذاتها عند الأوساط الشعبية، وعند فريقي السلطة والمعارضة على حد سواء. وإذا ما دُقِّق في خلفية «تمهيل» النائب سعد الحريري في عقد اللقاء مع نصر الله، يمكن فهم الاعتبار المعنوي المتصل بالجمهور، إذ ليس في لبنان حتى الآن سوى وليد جنبلاط، من يقدر على القيام بأي خطة سياسية، بدون تلقي العتاب أو الانتقاد من أنصاره.
على أثر اتفاق الدوحة، جرى الحديث عن ترتيبات متسارعة لعقد لقاء بين نصر الله والحريري، وكان المقدم وسام الحسن، المسؤول الأمني الأبرز في فريق الأكثرية، الأكثر حماسة لعقد هذا اللقاء، وهو ناقش الأمر مع مسؤولين بارزين في حزب الله، لكنّ أيّاً من الجانبين لم يشر يومها إلى أن الأمور مقبلة على لقاء حتمي، ثم سرعان ما طرح مَن حول الحريري العبارة السحرية القائلة: «بيروت تنتظر الاعتذار». وإذا ما دُقِّق في الأمر، فإن النصيحة التي جرت على هذا الأساس، كانت تنطلق من أن «البيارتة»، والمقصود بخطاب هؤلاء أبناء العاصمة من الطائفة السنية، قد تعرضوا لعملية قهر، تستوجب اعتذاراً مباشراً من السيد نصر الله وحزب الله. وجرت التعبئة بصورة حصرت المحتاجين إلى اعتذار أو توضيح أو ما شاكل، بهذه الفئة من أبناء بيروت، لكن أصحاب الفكرة والمروجين لها والناقلين لها من بيان إلى بيان، ليس بينهم أي واحد من أبناء بيروت، لكن غالبيتهم من السنة، وربما لذلك، يعتقد «المفكر الجهبذ»، رضوان السيد، أن بيروت التي قبلت بالحريري زعيماً سياسياً لها، ولو أنه من غير أبنائها الأصليين أتاحت لعموم سنّة الأطراف الانتماء إلى العاصمة. هكذا شعر السيد وما يمثله من «الزاوية المريضة» في العقل الجمعي لجماعة المحور السعودي ـــــ المصري بأنه يجب التركيز على المطالبة بالاعتذار، لأن في ذلك ما يمنحهم اعترافاً إضافياً من أبناء بيروت، ولا سيما أن السيد، ومعه غالبية الكوادر النافذين في تيار المستقبل، من أيتام اليسار الفلسطيني، عانوا اضطهاداً تاريخياً من الزعامات التقليدية لبيروت وللسنة في لبنان.
لكن الذي حصل، هو أن هذه العبارة، كان يقصد منها أن تتحول إلى شرط، فإذا تحقق، يكون هؤلاء، قد دفعوا نصر الله ومعه المعارضة إلى اعتبار انتفاضتهم بمثابة عمل إجرامي إرهابي، وإذا لم تحصل الاستجابة ـــــ وهذا الأحب إلى قلوب أصحاب الفكرة وعقولهم ـــــ يكون من الصعب على الحريري، وعلى أي من قيادييه التقدم خطوة باتجاه المصالحة.
ومع نجاح «البيارتة الجدد» في تعميم هذا الشعار وتحويله مرادفاً لمطلب «الحقيقة» في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وخصوصاً مع حملة التعبئة التي قادتها «مجموعة المستقبل» الإعلامية، فإن الحريري بدا مكبلاً، فهو أعجب بالشعار، وربما هو على اقتناع به، لكنه بات أسير لعبة تعكس إصرار من حوله على مزيد من الاستعراض الذي بدا أنه غير قادر على بناء سياسة ولا موقف ولا وقائع، ما جعله يتريث في طلب اللقاء مع نصر الله، أو حتى في التريث بالموافقة على وساطة تُعِدُّ لمثل هذا اللقاء. وعندما فاتحت جهات داخلية سياسية وحزبية ودينية، وشخصيات عربية وخارجية، الحريري بأهمية انعقاد هذا اللقاء، كان جواب الحريري عبارة عن «تمنُّع» على شكل «استمهال» وعن اختباء خلف المطالبة بـ«الاعتذار». وهو الذي يدرك مسبقاً، أن الاعتذار لن يحصل، إلا إذا تم وفق معادلة نصر الله التي أطلقها أول من أمس: اعتذروا منا، فنعتذر منكم!
ولذلك، فإن القواعد الشعبية في تيار «المستقبل» وبعض قوى الأكثرية، لم تظهر حماسة لمثل هذا اللقاء، فيما هي شجعت أو لم تتحفظ على أي لقاء بين الحريري والرئيس نبيه بري أو بين الرئيس فؤاد السنيورة والعماد ميشال عون أو حتى اللقاء على مستوى المرجعيات الروحية، التي تعمل ناطقاً سياسياً عند المرجعيات السياسية. ورغم أن «سجل الحوادث» الموجودة لدى قيادة تيار «المستقبل» في بيروت، يظهر أن معظم الإشكالات حصلت وتحصل مع أنصار حركة «أمل»، فإن العنوان الخلافي ظل هو حزب الله. وكلما شرح مواطنون ما يرونه شكوى محقة ضد «تجاوزات» في بيروت على يد عناصر من «أمل» أو الحزب السوري القومي الاجتماعي، أو قوى ناصرية، فإن المسؤولية بالنسبة إلى هؤلاء تقع على عاتق نصر الله وحزب الله.
لكن هل الصورة هي كذلك في موقع واحد؟
يروي السيد نصر الله أنه حصل ذات يوم أن اصطحب أحد كوادر المقاومة البارزين ابنه إلى استوديو للتصوير في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث كان أصحاب هذه الأمكنة يوفرون خدمات إضافية للزبائن، منها كادر يجلس فيه الزبون، ليخرج بصورة تجمعه مع السيد نصر الله نفسه. ظن المسؤول في المقاومة، أنه يقدم هدية لابنه، فقال له: اجلس سوف تتصور مع السيد؟ رفض الولد العرض، فاستغرب والده مضيفاً: ولو، سوف تتصور مع الأمين العام. هز الطفل كتفيه وقال: لا أريد!
استغرب الوالد أكثر، وسأله عن السبب، فأجاب الطفل: أما شاهدته بالأمس يصافح وليد جنبلاط ويضحكان معاً؟!
تاريخ الواقعة كان يوم عقدت جلسات طاولة الحوار الوطني التي سبقت حرب تموز عام 2006. يومها، كان جنبلاط قد باشر بتأليف موسوعته «الرؤية الواضحة بعد الغشاوة التامة»، التي سوف تكون مقرراً إلزامياً للمنتمين إلى «أكاديمية 14 آذار للانتهازية السياسية». ونصر الله لم يكن لديه، إضافة على الرواية التي قدمها في معرض إجابته عن سؤال زائر له: لماذا لا تجلس مع قادة الأكثرية وتحاورهم؟!
بالأمس، حاول أحد الصحافيين إحراج نصر الله لدى سؤاله عما إذا كان جمهور المقاومة يمكن أن ينزعج من ظهور البعض في صور مع قادة المقاومة فرد نصر الله: «بالنسبة إلى جمهور المقاومة، وأنا أقول إنه جمهور واعٍ وعنده عواطفه، يتحسس ويتألم ويتأثر بما قيل ويقال، ولكن جمهور المقاومة جمهور مسؤول ويتحمل ويتقبل أي إجراء أو مشهد أو صورة لما فيه مصلحة البلد».
هل سيدهش أبناء الضاحية إذا شاهدوا وليد جنبلاط يتفقد ورشة الإعمار ويرى ما بقي من دمار، ولو بعد حين؟!.