أنطوان سعدمساء السادسة من مساء اليوم يُعلن من فندق لورويال قيام «اللقاء الوطني المسيحي» بتوجهات سياسية جديدة، من المتوقع أن تكون عبارة عن محاولة تزاوج رسمي بين خطين سياسيين مسيحيين تقليديين لم يسبق أن التقيا: «الخط المسيحي» الذي طالما تحرك في إطار ما أطلق عليه في الماضي اليمين الداعي إلى الحفاظ على خصوصية الحضور المسيحي في لبنان والمقومات والضمانات التي تخوله لعب دور فاعل في المعادلة اللبنانية، و«الخط الوطني» الذي غالباً ما كان يميل إلى دعوة المسيحيين إلى التماهي مع البعد العربي والانفتاح على القضايا التي تهم العرب والمسلمين ورفع شعارها وتبنيها والقتال تحت رايتها.
وفيما كان الخط الأول ـــــ ولا يزال ـــــ أكثر شعبية عند المسيحيين وأكثر تعبيراً عن تطلعاتهم إلى بلد مسالم بعيد عن محاور النفوذ والحروب والأزمات، فإن الخط الثاني، كان على وجه العموم مقتصراً على بعض القوى المسيحية خارج جبل لبنان ممن لم يتمكنوا في الواقع من تحقيق حيثية مسيحية بارزة تتخطى إطار الزعامة أو العشائرية المحلية، رغم ما حظيت به من دعم وإمكانات أيام الهيمنة السورية على لبنان. فالعماد عون بعد وثيقة التفاهم مع حزب الله لم يقدم ورقة سياسية جدية تعرب بصورة رسمية عن حجم التبدلات الحاصلة في خطابه السياسي، هذا باستثناء ما أعلنه إثر الاستشارات المسيحية التي أجراها في اليومين الأخيرين من عهد الرئيس السابق العماد إميل لحود، ومما يمكن اعتباره مرتبطاً بمعركة انتخابات رئاسة الجمهورية.
الجدير بالذكر، أن أبرز من عملوا على بلورة وثيقة «اللقاء الوطني المسيحي»، هو المحامي كريم بقرادوني، الرئيس السابق لحزب الكتائب، والنائب السابق لقائد القوات اللبنانية وأحد فريق عمل الرئيس الراحل إلياس سركيس، ولاعب سياسي فاعل في معظم المنعطفات الهامة من تاريخ لبنان منذ أن بدأت فصول الأزمة اللبنانية غداة حرب 1967. وهو انطلاقاً من تمرسه وتجربته المتنوعة، عمل على محاولة تحقيق التزاوج بين الخطين المشار إليهما، بعد عدم نجاحه في هذه المهمة أيام رئاسته لحزب الكتائب الذي خسر موقعه الريادي في الوسط المسيحي. فهذا الحزب بعد غياب مؤسسه بيار الجميل وتعرضه للعديد من الخضات التي أدت إلى ضموره في شكل خطير، لم يعد قادراً على أن يكون رافعة لطرح سياسي جديد. في قراءة سريعة لوثيقة اللقاء، يبدو أنه تطغى عليها معظم أدبيات الخط المسيحي، وتغطي عملية الائتلاف مع مسيحيي «الخط الوطني».
وبحسب مصادر اللجنة الممثلة للأطراف الأربعة الداعية للقاء، التي تضم ممثلين عن التيار الوطني الحر وحزب الطاشناق وتيار المردة والنائب إيلي سكاف، فإن الدعوة موجهة إلى فاعليات مسيحية معارضة، إضافة إلى شخصيات تراها وسطية. أما هدف اجتماع مساء اليوم فهو، على ما تقول، ثلاثي: إعلان قيام «اللقاء الوطني المسيحي»، إعلان وثيقته التأسيسية، وإطلاق مجموعة ملفات هي في الغالب مطالب مسيحية مزمنة من مثل قانون الانتخاب، ومرسوم التجنيس، والإصلاحات الدستورية المطلوبة لتستقيم مسيرة الجمهورية، والتوطين إلخ. وسوف يفتح الباب أمام المشاركين الحاضرين الذين يتوقع المنظمون أن يناهز عددهم مئة وخمسين شخصاً، للانضمام إلى مجموعات العمل المخصصة لكل من هذه الملفات.
أما هيكلة هذا اللقاء وتنظيمه، فمؤجلة إلى ما بعد تقويم الخطوة الأولى ودراسة تجاوب القوى السياسية المدعوة إلى اجتماع اليوم. ويوضح المنظمون أن الاتجاه المبدئي هو لبقائه مجرد لقاء شبيه بالاجتماعات التي كان يعقدها رؤساء الحكومة السابقون في المنطقة الغربية خلال الحرب، أو باجتماعات «الجبهة اللبنانية». غير أنهم يؤكدون أنهم سيكونون منفتحين على كل الاقتراحات التي سترد بعد جلسة اليوم.
وفي ما خص العلاقة مع البطريركية المارونية، ولا سيما في ضوء أن معظم الفاعليات المؤثرة في هذا التجمع لا ترتبطها علاقة جيدة مع بكركي، تؤكد مصادر المنظمين أن «ما يجب القيام به في هذه الخصوص قد تم». وتوضح أنه تم الاتصال بالنائب البطريركي العام النائب سمير مظلوم لشرح أهداف «اللقاء الوطني المسيحي» وتأكيد احترامه لمقام بكركي وموقعها التاريخي، ودورها «راعيةً للمعادلة السياسية الداخلية بين المسيحيين».
في تقويمه لهذا اللقاء، يعتبر النائب السابق فارس بويز أنه موجود أساساً وقواه تلتقي بلا إعلان، وما هو مطروح اليوم هو استحداث آلية تجمع ولكن مع احترام استقلالية كل طرف. ويرى أنه ضروري في ظل أحادية القطب داخل الطوائف الأخرى والشرذمة في الصف المسيحي وأن أهم ما فيه هو تركيبته الشديدة المرونة، وأن نجومية العماد عون الذي لا يزال القوة المسيحية الأبرز لن تضع الآخرين في الظلمة.