رغم أن إقامة القائمة بأعمال سفارة الولايات المتحدة ميشال سيسون في ربوع لبنان لم يمضِ عليها وقت طويل، فقد باتت خبيرة في التركيبة السياسية اللبنانية، وبات لها أصدقاء، بدءاً من نواب زغرتا الزاوية وليس انتهاءً بـ«الشيعة الأحرار».فعدد زيارات سيسون إلى السياسيين اللبنانيين هو بمعدل عشر زيارات علنية أسبوعياً، منها خمس زيارات شهرية إلى رئيس الحكومة، ناهيك باستقبالاتها شبه اليومية لسياسيين معظمهم من الصف الثاني في فريق 14 آذار، ورجال أعمال وإعلاميين في مقر السفارة الأميركية في عوكر.
وفي هذا المجال، تُعدّ سيسون الدبلوماسية الأكثر نشاطاً بين نظرائها، ولعل معظم فريق الموالاة يجد فيها خير خلف لخير سلف، ولو أن هؤلاء لم ينسوا نشاطات السفير السابق جيفري فيلتمان الذي سيرتبط اسمه بمرحلة حساسة من تاريخ لبنان، ولا يزال عدد من السياسيين اللبنانيين يتواصل معه بالبريد الإلكتروني.
ولكن ما لا يعرفه بعض الساسة الذين باتوا يصنّفون في خانة «أصدقاء أميركا» عن سيسون، التي تبدو في معظم لقاءاتها مصغية أكثر منها متكلمة، أنها باتت تضيق ذرعاً ببعض هؤلاء «الأصدقاء».
وقد بدأت تعبّر عن استيائها من بعض سياسيي فريق 14 آذار، الذين عجزوا، على الرغم من الدعم الذي قُدّم لهم، عن القيام بدورٍ فاعل، ولا سيما على الصعيد المسيحي.
ولم يحل التزام سيسون الدبلوماسي دون تسميتها لبعض هؤلاء، رغم أنهم من المغالين في مديح السياسة الأميركية في لبنان. إلا أن سيسون، الخبيرة الحديثة العهد الشأن اللبناني، قد لمست أحجامهم الحقيقية، وكانت لافتة تسميتها، في لقاءٍ عقدته أخيراً مع أحد السياسيين، لنائب سابق يتولى مسؤولية في فريق 14 آذار، مشيرةً إلى أنّه «عاجز عن القيام بما هو مطلوب منه رغم الظروف التي أتيحت له».
وإذا كانت سيسون قد ورثت عن سلفها التزام دعم الإدارة الأميركية للحكومة اللبنانية والموالين لها، فإنها، على عكسه، بدت أقل تواصلاً مع شخصيات في المعارضة ارتبط فيلتمان بصداقات معهم، بلغت حدّ الرهان على نقلهم إلى فريق الموالاة، وحدّ الرهان من جانب السياسيين المعارضين على جمع مجد دعم المعارضة والولايات المتحدة في آن واحد.
ولكن رحل فيلتمان وضاع استرضاؤه هباءً.
أما سيسون، التي لا يبدو أنها ستقع مرة أخرى في فخ قبول دعوة على الغداء في الجنوب اللبناني، فتحرص على عدم تجاوز إطار العلاقة السياسية مع الأفرقاء اللبنانيين، ولو هي تجاوزت يومياً اتفاق فيينا للعلاقات الدبلوماسية الذي دخل حيّز التنفيذ في نيسان 1964، وهو يحدّد وظائف البعثات الدبلوماسية وامتيازاتها والالتزامات المفروضة على الدولة الباعثة والمستقبلة.
وكانت «السفيرة فوق العادة» دفعت ثمن اندفاعها، حين لاقت استقبالاً غير حافل في النبطية في الثامن عشر من حزيران الماضي، حيث قامت بزيارة غير واضحة المعالم للرئيس السابق لتجمع الهيئات الاقتصادية والاجتماعية في محافظة النبطية عبد الله بيطار في منزله في شوكين، حيث تداعى أهالي البلدة وانضم إليهم أهالي ميفدون المجاورة، وتجمعوا قرب منزل بيطار ورددوا شعارات معادية للولايات المتحدة، طالبين من الوفد الدبلوماسي المغادرة على وجه السرعة، وهكذا كان. علماً بأن بيطار هو عضو في لقاء الانتماء اللبناني الذي يرأسه أحمد كامل الأسعد، وقد حجبت الهيئة الإدارية للتجمع المذكور الثقة عنه منذ مدة، وهي أصدرت أيضاً بياناً استنكرت فيه الزيارة، كذلك فعل عدد من فاعليات المنطقة، مشيرين إلى أن الزيارة استفزازية، لا سيما أن آثار حرب تموز المدمرة ما زالت ماثلة على الحجر والبشر في النبطية والجنوب عموماً.
ولعل سيسون رأت من بعض السياسيين اللبنانيين ما يثير الاستغراب، ولسنا ندري إذا كانت ذكرت في أحد تقاريرها إلى وزارة الخارجية الأميركية شيئاً عن خطة قدّمها لها أحد النواب عمّا يجدر أن يفعله الرئيس جورج بوش قبل ختام ولايته الثانية من ضرب إيران بقوة وسرعة، ثم الإجهاز على النظام في سوريا!
تحفل المهمات الدبلوماسية بالسرية، فالكتمان هنا من أسرار النجاح في المهنة. لكننا لا ندري إذا كان السفير السابق جيفري فيلتمان، حوّل بعض ما سمعه وشاهده في لبنان إلى موضع تندّر في جلساته الخاصة مع أصدقائه في أميركا.
ولسنا ندري أيضاً ما نسبة ما تصدّقه السيدة ميشال سيسون ممّا تسمعه من السياسيين اللبنانيين الذين صنعوا «ثورة الأرز» على سوريا، بعد أن صُنّفوا لعقودٍ في خانة «أصدقاء سوريا».
(الأخبار)