سليمان يدعو إلى «تضحيات» وبرّي عاد والسنيورة لا يدخل في المواعيد والتفاصيلكما انتهى الأسبوع الماضي بتفاؤل مفرط بتأليف الحكومة «خلال ساعات»، سرعان ما تبخّر في الساعات اللاحقة، يبدأ الـ«ويك أند» الحالي بالسيناريو نفسه: تسارع الاتصالات، أجواء إيجابية جداً... ويبقى الأمل ألا تتكرر النتيجة
إذا ترجمت الأقوال إلى أفعال، فإن حكومة الوحدة الوطنية ستبصر النور في ساعة أو يوم أو أسبوع، أو على أبعد تقدير قبل 12 تموز الجاري، إلا إذا كانت أقوال تأليف الحكومة كمثيلاتها من أقوال انتخاب الرئيس التي جرت تأجيلاً وراء آخر، إلى أن فتحت الدوحة أبواب القصر الجمهوري.
فمن بعبدا إلى السرايا الحكومية، إلى العواصم العربية، تكثّفت اللقاءات والمواقف والاتصالات التي تبشّر بقرب الولادة المنتظرة للحكومة. يعززها قطع رئيس مجلس النواب نبيه بري، برنامج جولته الخارجية، وعودته مساءً إلى بيروت حيث اتصل برئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والرئيس المكلف فؤاد السنيورة، وتلقى فور وصوله اتصالاً من رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني الذي اتصل أيضاً بالسنيورة، كما تلقى الأخير اتصالاً من الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى.
وفيما أجمع زوار سليمان على تفاؤله وارتياحه لنتائج الاتصالات، شدد هو أمام وفد الجالية اللبنانية ــــ الأميركية في ميشيغن، على ضرورة حصول «تضحيات متبادلة من الأفرقاء، وخصوصاً بالنسبة إلى تأليف الحكومة التي تمثّل عنواناً وفاقياً أساسياً للمرحلة المقبلة». ودعا المغتربين إلى «أن يكونوا موحّدين، لأن لبنان الموجود راهناً على خط تقاطع تطورات المنطقة، يتطلب من الجميع الاتحاد، سواء في الداخل أو الخارج، لمواجهة أي تداعيات سلبية يمكن أن تحصل أو مواكبة أي تطورات إيجابية».
وبعد لقائه سليمان، تحدث الوزير محمد جواد خليفة، عن الوصول «إلى أعلى منسوب إيجابي»، معلناً أن أموراً «إيجابية جداً طرأت في الساعات الأخيرة»، وأمل «أن تنعكس إيجاباً للخروج من الأزمة، وانطلاق العهد ومؤسسات الدولة، في وقت قصير جداً». ونقل الوزير السابق خليل الهراوي عن رئيس الجمهورية، «ارتياحه لنتائج الاتصالات الجارية لمعالجة الشأن الحكومي».
كذلك أعلن رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعحع، أنه لمس لدى سليمان تفاؤلاً بالنسبة إلى تأليف الحكومة. وتحدث هو أيضاً عن وجود «إيجابيات جدية»، تمنى استكمالها «عسى أن يحصل نوع من الاختراق في الساعات الأربع والعشرين المقبلة، بما يؤدي في ما بعد إلى تأليف الحكومة». وقال: «الآن تُحلّ العقد، عقدة وراء عقدة، وما زلنا عند عقدة واحدة أساسية وهي تمثيل كتلة الإصلاح والتغيير»، نافياً ما يتردد عن تقليص تمثيل مسيحيي 14 آذار لمصلحة هذه الكتلة، مشيراً إلى أنها معلومات «غير دقيقة»، وسيكون التمثيل «كما يجب عليه أن يكون»، وكرر أن تمثيل القوات سيكون «بحسب حجمها الفعلي».
ورغم حديثه الإيجابي عن موضوع الحكومة، شدد جعجع على أولوية الأمن لأنه «عبثاً نحاول إصلاح بقية الأمور، إذا لم يكن الوضع الأمني مستتباً كما يجب»، كاشفاً أنه اقترح على سليمان عقد مؤتمر الحوار بعد تأليف الحكومة وقبل البيان الوزاري «ليحصل اتفاق على حد أدنى من المسلّمات» يبنى على أساسها البيان. ونقل عنه أنه يفكر، بعد تأليف الحكومة ومؤتمر الحوار، بالعمل على إيجاد تصور مشترك لجمع التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية «معاً».
وفي السرايا، تداول السنيورة ومسؤول العلاقات السياسية في التيار الوطني الحر جبران باسيل، في آخر التطورات المتعلقة بصيغ تشكيلة الحكومة، وفيما غادر باسيل دون الإدلاء بأي تصريح، أكد السنيورة أيضاً، في دردشة مع الإعلاميين، أن أجواء التأليف إيجابية جداً والحوار والتقدم مستمران، وقال: «أنا مرتاح لهذا التقدم»، لكنه رفض الدخول «في أي موعد محدد أو تفاصيل»، مردفاً بالقول: «المهم أن نبقى نركز على الهدف، وأنا واثق بأن الحكومة ستتألف». وأشار إلى أن اتصالاته مع رئيس الجمهورية «مستمرة والتشاور معه يومي». وقال رداً على سؤال عن دعوة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إلى التلاقي: «أنا لم أقل يوماً عكس ذلك، وموقفي لم يتغير، ولكن هناك البعض الذي لم يكن يرى ذلك، أو لم يحب أن يرى ذلك».
وبعدما وصف المكتب الإعلامي للسنيورة أجواء لقائه مع باسيل بـ«الإيجابية جداً»، مشيراً إلى الاتفاق على الاستمرار بالحوار والتواصل، قال النائب جورج عدوان بعد لقائه الرئيس المكلف، إن «الجميع في انتظار جواب من العماد ميشال عون رداً على طرح قُدّم إليه، وفي ضوء الجواب يحصل لقاء مع الرئيس السنيورة لبتّ توزيع الحقائب الأكثرية»، مضيفاً: «هناك الآن مناخ لم يكن موجوداً من قبل، وهو يوحي بأننا في الأيام المقبلة أمام تأليف حكومة».

لحود ينفي توسطه لعدم توزير المركذلك أمل مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني تأليف الحكومة «اليوم قبل الغد، لمواجهة الاستحقاقات الوطنية»، ودعا الجميع إلى الإجماع على تأليفها، ومعاونة الرئيس المكلف، و«وضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبار آخر»، متوقعاً «أن تشهد الأيام المقبلة انفراجاً قريباً بعون الله تعالى، يبعث الأمل لدى اللبنانيين في وطنهم ومستقبل أبنائهم».

ما نفع حقيبة سياديّة وذهاب لبنان؟

لكن النائب هادي حبيش، الذي مثّل النائب سعد الحريري في احتفال وضع الحجر الأساس لمبنى ثانوية رسمية في منطقة دريب في عكار، انفرد بالحديث عن عراقيل أمام تأليف الحكومة تتمثل «بمطالب وهمية»، سائلاً: «ما نفع حقيبة سيادية أو خدماتية وذهاب لبنان نحو المجهول؟». وقال إن العراقيل «والانتهاكات الأمنية، والاعتداء على أمن المواطن واستقراره، والتهويل في موضوع السلام ومزارع شبعا، كلها عناوين شكلية لمعركة حقيقية عنوانها الحقيقي ربط مصير لبنان بالملف النووي الإيراني والمفاوضات السورية الإسرائيلية».
ورأى النائب أنطوان سعد، في مأدبة أقامها على شرف المطرانين منصور حبيقة والياس الكفوري، أن «محاولة البعض الاستئثار بوزارات خدماتية أو أساسية أو غير ذلك، لا تخدم مصلحة البلد»، مشيراً إلى أن «ما يحصل في بعض المناطق على المستوى الأمني، ينذر بمخطط مشبوه يراد منه إشعال الحرب مجدداً وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية، وإذكاء نار الفتنة والتحريض، لأن ثمة من هو متضرر من مناخات التوافق والهدوء والاستقرار».
على صعيد آخر، أبلغ سفير الاتحاد الأوروبي باتريك لوران، رئيس الجمهورية أمس، اهتمام الاتحاد «بقراره تشكيل هيكليات للحوار»، وتشديده «على ضرورة وضع الإصلاحات الانتخابية موضع التنفيذ، تحضيراً للانتخابات النيابية المقبلة عام 2009»، مشيراً إلى أن بعثة رفيعة من الخبراء الأوروبيين الاختصاصيين في الإصلاحات الانتخابية، موجودة في لبنان، وستعمل على المساعدة في التحضير لهذه الانتخابات.
وبرز في هذا الإطار، موقف للنائب روبير غانم، حذر فيه من أنه في حال عدم تأليف حكومة جديدة وعدم إقرار قانون الدوحة الانتخابي، وبالتالي استمرار حكومة تصريف الأعمال «نكون أمام قانون الـ2000، لأنه قائم حتى إلغائه بقانون آخر، وحتى يصدر قانون آخر، وتأليف حكومة تأخذ ثقة المجلس النيابي».
وأمس، شهد فندق لو رويال في ضبية، ولادة «اللقاء المسيحي الوطني»، الذي أصدر وثيقة وكلف لجنة لمتابعة الاتصالات وتنسيق النشاطات والملفات، وإعداد خطة متكاملة لتعميق ثقافة التشاور والمشاركة بين المسيحيين في الوطن وبلدان الانتشار، بحضور مؤسسيه: العماد ميشال عون، النائب إيلي سكاف، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ورئيس الكتائب السابق كريم بقرادوني، إضافة إلى اللواء عصام أبو جمرا، نواب كتلة التغيير والإصلاح، النائب نادر سكر، النواب السابقين: ألبير منصور، جبران طوق، سيبوه هوفنانيان، فايز غصن وإيلي الفرزلي، الوزراء السابقين: ميشال سماحة، ألان طابوريان ويعقوب الصراف، الأمين العام لحزب الطاشناق هوفيك مختاريان، القاضي سعد الله الخوري، رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن، النقيب ملحم كرم، ماريو عون وشكيب قرطباوي، اللواء نديم لطيف، رئيس حزب التضامن إميل رحمة، جان حواط ورشاد سلامة، رئيس جمعية الصناعيين فادي عبود، السفير فؤاد الترك وحشد من الفاعليات.

عون: ما نقوم به دفاع عن وجودنا

وألقى عون كلمة أشاد فيها بنتائج التفاهم مع حزب الله، وقال: «تجاه السياسة الإسرائيلية ــــ الأميركية التي تعتمد دوماً على قوة السلاح في مقاربتها لفرض الحلول، وتجاه استضعاف لبنان وشعبه وتجاهل حقه بأرضه وسيادته عليها، كان لا بد من تعزيز مقاومته كي لا يدفع ثمن ضعفه المزمن والمرغوب فيه من الخارج وبعض الداخل تسهيلاً لتمرير الصفقات المريبة.
من هذا المنطلق كان تفهمنا للمقاومة أولاً، وتفاهمنا معها ثانياً، ودعمنا لها أثناء حرب تموز ثالثاً، فأنجزت الانتصار الكبير، وكانت للبنان هذه المفخرة التاريخية بقهر
إسرائيل». وقال: «ما نقوم به هو ممارسة حق مشروع للدفاع عن وجودنا، لأنه ليس من الطبيعي أن تهدّد الدولة العظمى الوحيدة في العالم وجودنا مقابل مصالحها مهما عظمت هذه الدولة وكبرت مصالحها».
ورأى أن أحداث المنطقة وحرب تموز «أثبتتا أن شرائح المجتمع اللبناني لم تكن على المستوى نفسه من الحضور والجهوزية والفهم لما يجري، ولتداعياته على الساحة اللبنانية، مما أحدث مضاعفات سياسية هزت مجتمعنا وأدخلته في جوّ من الشك الممزوج بالخوف». وتوجه إلى مسيحيي لبنان، داعياً إياهم أولاً إلى وعي أنهم أبناء هذا المشرق «وفي هذا المشرق بإمكانكم أن تعيشوا فضائلكم الإلهية»، وثانياً إلى «التضامن مع الآخرين في مجتمعكم». وختم قائلاً لهم: «لا عضد لنا ولا قوة إلا قوتنا الذاتية. بها نسعى إلى تأمين وجودنا واستمرارنا، وذلك من خلال تناغمنا مع مكوّنات مجتمعنا، وانسجامنا مع محيطنا العربي. واختيارنا هذا ينبع من قناعتنا بأن منعتنا ومنعة محيطنا تنبثقان من هذا المفهوم ومن احترام العلاقات الندية في جميع الحقول والميادين».
وكان الأمين العام للرابطات اللبنانية المسيحية حبيب افرام، قد بدأ اللقاء بكلمة قال فيها: «مشروعنا دولة قانون، عدالة، مشاركة حقيقية في الحكم، في صناعة القرار، ولا نطلب لأنفسنا إلا ما نريده لكل مواطن ولكل فئة». وأعلن الوقوف مع رئيس الجمهورية، داعياً إياه إلى إمساك ملف «إراحة المجتمع المسيحي من رواسب يجب أن تزول». وختم: «إنه لقاء قد يكون يتيماً، ولمرة واحدة فقط على عادة تعديلاتنا للدستور، وقد يكون كرة ثلج».
وأعلن بقرادوني، في مداخلة، التصميم على المتابعة في اتجاهين: الأول في العمل على طرح الملفات الوطنية، والثاني في الحوار مع الناس عبر التحركات الشعبية. واقترح على الصعيد الأول تأليف لجان: التوطين، التجنيس، اللامركزية الإدارية والإصلاح، تملك غير اللبنانيين للأراضي، المغتربين، المهجرين، الاقتصاد، والعلاقات اللبنانية ــــ السورية. وطالب في المجال الثاني بتنظيم لقاءات إقليمية في كل المناطق.