strong>ليال حدادينظر إلى الحاضرين. يحذّر مسبقاً من التقاط الصور أو ذكر الاسم. يبتسم قليلاً قبل أن يبدأ شهادته. «التقطُّ الفيروس عام 1994، ولم أدرك ذلك إلا بعد خمس سنوات». يصمت ليتذكّر تفاصيل تلك الأيّام «الصعبة» كما يعترف، «كانت زوجتي ووالدي معي في المستشفى حين علمت. وسألني الطبيب إن كنت أرغب بإخبار أحد، فناديت زوجتي وأخبرتها، كذلك فعلت مع والدي». لم تكن الفترة الأولى من التعايش مع الفيروس سهلة، فالأمل الذي فقده هذا المريض، لم يكن من السهل تعويضه وخصوصاً أن الفكرة السائدة عن المرض تؤكّد أن المصاب به لا يعيش طويلاً وأن أيامه معدودة. إلا أن الدعم الذي وجده من عائلته وأولاده، جعله يجاهر بمرضه، ويخبر أقاربه وجيرانه بأنه يحمل بفيروس HIV المسبّب للسيدا.
مع مرور الوقت، تعرّف المريض إلى جمعية العناية الصحية التي ساعدته على تخطّي عدد كبير من الصعوبات، أبرزها: تأمين العلاج الثلاثي بسبب كلفته المرتفعة وكثرة الأدوية. ومع الجمعية بدأ هذا المريض نشاطه في التوعية ومحاربة التمييز ضدّ المتعايشين مع الفيروس.
يستفيض المريض في الحديث عن يومياته وطموحاته بعيداً عن الصورة النمطية المتداولة في وسائل الإعلام عن مريض السيدا، مشدّداً على ضرورة مكافحة الوصم والتمييز اللذين يلاحقان المريض طيلة حياته ويساهمان في انزوائه وعيشه على هامش المجتمع.
وما كان لافتاً في حديث المريض متابعته لحياته الجنسية بطريقة طبيعية، حتى إن زوجته حملت وأنجبت ولداً، دون أن تصاب هي أو الجنين بالفيروس. أما السبب فيشرحه الدكتور إيهاب الخرّاط، موضحاً أنّ 80% من الأمّهات الحاملات الفيروس لا ينقلن الفيروس إلى أولادهنّ، والأمر مماثل بالنسبة إلى الرجل المصاب الذي لا ينقل الفيروس بالضرورة إلى شريكه في العلاقة، إلا أن ذلك مرتبط بفحص طبي يؤكّد أن الفيروس بأضعف حالاته في الدم ولا يمكن التقاطه.
أنهى المريض قصّته، صفّق له الحضور، وانهالت عليه الأسئلة ولا سيّما عن سبب عدم وقايته في العلاقة الجنسية التي سبّبت له المرض. كان الجواب بسيطاً ومباشراً «التقطت المرض بسبب نقل الدم خلال عملية طبية في رجلي، لا بسبب علافة جنسية»، وللتأكيد على كلامه أشار إلى رجله التي أجرى فيها العملية، مذكّراً بالدعوى التي رفعها الصليب الأحمر على بنك الدم نتيجة لما أصابه.
لعلّ هذه الشهادة كانت أبرز محطّة في اليوم الأوّل من «ورشة العمل التدريبية للصحافيين من أجل التجاوب مع الإيدز» التي نظّمها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ـــــ البرنامج الإقليمي للإيدز في الدول العربية.
أدرك المنظّمون أن تحقيق الأهداف الثلاثة التي وضعوها للورشة ليس سهلاً، إلا أن أملهم كان كبيراً بتمكين الإعلاميين من التعاطي مع موضوع المتعايشين مع المرض بطريقة علمية وصحيحة. والهدف الأول من الورشة هو إبراز أن التجاوب مع الإيدز هو واحد من أهم تحديات حقوق الإنسان والتحديات التنموية التي تواجه المنطقة العربية. أما الهدف الثاني فيقوم على كشف الأسباب الكامنة وراء تفاقم وباء الإيدز، ومنها الوصم والتمييز ضدّ المتعايشين مع الفيروس. والهدف الأخير والأساسي، هو حشد الإعلاميين والمهتمين بمجال الإعلام لتمكينهم من تقديم القضايا المتعلقة بالمرض بطريقة تؤدي إلى محاربة الوصم.
وتخلّل الورشة عرض لنشاطات جمعت أكثر من 250 رجل دين في ما بات يعرف بإعلان القاهرة، للتأكيد على حقّ المرضى بحياة طبيعية ومعاملة عادلة، بغضّ النظر عن أسباب مرضهم، «وذلك مفيد جداً في العالم العربي، إذ إن للدين دوراً أساسياً في حياة الناس» شرحت أمال علام وهي إحدى منظِّمات الورشة.
كذلك تحدّثت الدكتورة خديجة معلى عن السنوات الأربع المقبلة بصفتها السنوات الذهبية، كي يبقى معدّل المتعايشين 1% وهو ما أقرّته كل الدول العربية باستثناء جيبوتي التي فيها معدّل المصابين 4%، «فالنار الصغيرة يمكن إطفاؤها، أما حين تمتدّ وتكبر فيصبح من الصعب إطفاؤها دون التسبب بكوارث حقيقية».