غسّان سعودبحماسة وقلق كبيرين انتظر العكاريّون وصول مطران الطائفة الأرثوذكسيّة الجديد باسيليوس منصور إلى دار المطرانيّة. حماسة للروح التي يفترض أن ينفخها المطران الذي رسم يوم السبت الفائت في الكنيسة العكاريّة، وقلق لأن المطران الشاب يبدو حاسماً في إدارة أكثر من ملف على طريقته الخاصّة

هل تشعر بالتحدِّي من رسمك مطراناً؟
- في عمر السادسة والأربعين، يكون الإنسان قد اكتسب خبرة ومعرفة في التعامل مع الناس. وهناك في تاريخ الكنيسة الأرثوذكسيّة آباء عديدون رسموا مطارنة وهم صغار في السن، مثل مالاتوس (28 عاماً) وألكسي (30 عاماً). لكن الناس لا يحفظون للمطران إلا صورة العجوز، المتقدم في السن، المحدودب الظهر، الذي يغطي الشيب رأسه وذقنه، ويعرفونه يكلّل آباءهم ثمّ أبناءهم. بأية حال، لا أشعر اليوم بالتوتر مقارنة مع إرباكي الكبير حين رسموني رئيساً للكهنة، وكنت بسن الثالثة والثلاثين. يومها، كنت أخشى من صغر سنّي، وأتعمد الظهور بمظهر الأكبر سناً.

ماذا تعني لك وراثة المطران بولس بندلي؟
- بدأت علاقتي بالمطران بندلي منذ كنت بسن الثانية عشرة، تلميذاً في مدرسة سيدة البلمند التي كان بندلي مديرها. ثم عرفته في كلية اللاهوت. وقد عرفته في علاقات خاصة كنسيّة وغير كنسيّة، وصلت إلى مستوى الصداقة، وهو كان يرتاح لعملي في صافيتا وطرطوس، ولعمل زميلي يوحنا اليازجي في وادي النصارى. ووراثته تعني أوّلاً تحقيق أحلامه في خدمة الناس. وربما لو كان المورث غير بندلي لكنت قلت إنني سأحدث نقلة نوعيّة على كل الصعد، لكن لأنه بولس بندلي، أقول إنني أتمنى النجاح بإكمال ما بدأه.

بماذا تعد الناس في ما يتعلق بالمدرسة الأرثوذكسية في عكار، في ظل الصعوبات المادية؟
- لن تفقد المدرسة وجهها الإنساني أبداً. لا بل سنعزز هذا الوجه بكل الإمكانات، عبر تنظيم شؤون المدرسة وترتيب أمورها. وسنستحدث لجاناً تكون مسؤولة عن الأمور الأكاديميّة، والإدارية، وعن الأقساط والرسوم. كما سنسعى لتوفير منح مدرسيّة، وسنستخدم الوفر الذي تنتجه المدرسة لخدمة التلامذة وتخفيف أعباء الأقساط، مع العلم بأننا ننظر إلى المدرسة كمؤسسة تخص الناس ويفترض أن تعنيهم استمراريتها، لأن المؤسسة العلميّة الفقيرة والخيرية لا يمكنها أن تواكب العلم. من هنا أشدد على أن المدرسة هي مسؤولية الناس أكثر مما هي مسؤولية المطران.

هل هناك مشاريع معينة تنوي استهلال ولايتك بها؟
- أعتقد أن الخطوة الأولى ستكون الدرس الجدي لإمكان بناء كاتدرائية كبيرة في بلدة الشيخ طابا حيث المطرانيّة. كاتدرائية تطل على سهل عكار، وتكون أقرب إلى المركز الروحي الذي تقام فيه النشاطات والمخيمات الروحيّة، إضافة إلى تكبير الكنائس الصغيرة ومتابعة حياة المؤمنين.

كيف ستردّ الكنيسة الأرثوذكسية على تراجعها أمام بعض الجماعات المسيحية الصغيرة التي تقضم منها شعبياً؟
- أنا أحترم كل إنسان أو مجموعة تغار على عملها، وتتقدم بكل قوتها لنشر أفكارها حتى ولو كانوا لا يستندون إلى ماض مجيد أو غيره. لكن أتمنى منهم أن يبادلونا هذا الاحترام إن بدأنا الدفاع الجدي عن كنيستنا وأبنائنا. وأنا أرى أن المؤمنين هم المسؤولون بشكل رئيسي عن إيمانهم، لا المطران ولا الآباء. فقديماً كان المؤمنون يبشّرون، والكهنة يفحصون إيمان الناس. من هنا، أتمنى ألا أسمع عبارات مثل «الكاهن لا يعمل»، «قلّة همة المطران»، «هذه ليست مسؤوليتي بل مسؤولية الخوري».

ماذا عن دور «الشبيبة الأرثوذكسيّة» الذي تراجع أيضاً في الفترة الأخيرة؟
- أتمنى أن يعود كل شبابنا وصبايانا ورجالنا ونسائنا إلى أحضان حركة الشبيبة لضخ دم جديد في جسم الكنيسة التي تصبح جسداً مترهّلاً من دون الشباب. وأودّ التشديد على مباركتي لعمل الحركة، وأدعو الأطراف التي تحاول أن تعيق عملهم، إن وجدت، أن توقف هذه الإعاقة ولتتعاون مع الحركيّين الذين يفترض بهم أيضاً التعاون مع كل الأيادي الخيِّرة، وعدم اعتبار العمل حكراً عليهم.

رغم تحفّظه عن الكلام السياسي، كان للمطران بندلي حضور يطمئن الناس سياسياً، ما تصوّرك لهذا الدور؟
- لم يكن المطران بندلي يتدخل في السياسة بمعناها الحزبي، فما كان ينحاز لحزب ضد آخر، وما كان يعطي تصريحاً ينم عن تفريق. وبهذا، كان يمثل وجهة النظر الأنطاكيّة الأرثوذكسيّة التي تمقت التعصب وتدعو إلى تعزيز المواطنيّة. لكنني أرى أنّ على الكنيسة أن تلتزم رؤية وطنيّة وخطوطاً عريضة لا يفترض تجاوزها.

ما هي حقيقة ما يحكى عن فصل لأبرشية عكار وتوابعها بين عكار من جهة وطرطوس وصافيتا من جهة أخرى؟
- هذا الموضوع تطرحه قلّة قليلة جداً من اللبنانيين والسوريين منذ زمن طويل. ولا أعلم إن كانت أهداف الطرفين واحدة، لكن غالبية أبناء أبرشية عكار في لبنان وسوريا تفتخر بأبرشيتها. وأنا شخصياً أقول إن كل من يطالب بتقسيم الأبرشيّة لا يعي ما يقوله، وإذا كان يعرف ما يقوله فهذا يعني أن الضعف في تفكيره كبير، وهو بأية حال لا يتكلم لمصلحة الكنيسة.

يُعرف عنك أنّك مثقّف، ماذا عن جوانب أخرى من شخصيّتك؟
- لا أعرف إن كنت مثقفاً، فأنا حامل شهادات وقارئ نهم لكتب الدين والشعر والتاريخ، ولا أسمح ببروز أي حاجز بيني وبين أي منتج ثقافي، لكن لا أعلم إن كان هذا يعني أنني مثقف. وعليك أن تشكر ربّك أنني لا أحفظ كل ما قرأته (كنّا ما عدنا انتهينا). على الصعيد الشخصي، أنا عصبي لكن العصبيّة تنتهي بدقيقتين. وأود الإشارة إلى أن علو الصوت وانخفاضه لا يعبر عن حالتي الحقيقيّة فكثيراً ما أكون سعيداً وصوتي طالع.