Strong>راجانا حميّةلا جديد. كلّ ما قيل سابقاً أًعيد أمس في اللقاء الإعلامي الذي عقده المجلس الوطني للبحوث العلميّة. لكن هذا «اللاجديد» لم يكن هو المقصود في حدّ ذاته، فما كان أمس كان لقاءً «توعويّاً» للإعلاميين وتطمينيّاً لمن يسكنهم الهلع... أو من يقبعون في الخيم بانتظار زلزال «مفترض»، من المستحيل تحديد ساعة حدوثه إن وقع.
ولمرّة جديدة، قيلت منذ عشر سنوات في مؤتمر مماثل في نقابة المهندسين، كرّر أستاذ الجيوفيزياء في معهد فيزياء الأرض في باريس والخبير بنشاط الفوالق الزلزاليّة في لبنان بول تابونييه أن «لا أحد في الوقت الحالي يمكنه التنبّؤ بوقوع هزّات وزلازل». وأكثر من ذلك أيضاً، شدّد تابونييه على أن الادّعاء الإسرائيلي بقرب حدوث الزلزال الأكبر ليس له ما يبرّره من معطيات علمية، معرباً عن إيمانه بأنّه لا علاقة بين القصف الإسرائيلي الذي تعرضت له قرى الجنوب عام 2006 وكثافة الهزات الأرضية الحالية.
كلام كان قد أكّده رئيس مجلس إدارة المركز الدكتور جورج طعمة والأمين العام الدكتور معين حمزة، ولكن يبدو أنّ «الفوالق» النفسيّة التي يعاني منها المواطنون في المناطق التي تضربها الهزّات منذ ما يقارب ستّة أشهر، تستدعي التذكير المستمر ّ بأنّ «الخطر إن وقع، لن يكون على قدر هذا الهلع».
ولكن مقابل كلّ تلك التطمينات، ثمّة ما يدعو المواطنين إلى ذاك الخوف، وخصوصاً من يقطنون في المناطق التي تشهد منذ الثاني عشر من شباط الماضي، ومنها صريفا الجنوبيّة التي «هزّت» بما يقارب 800 مرّة ولا تزال تنتظر وأهلها هزّات قد تأتي في أيّة لحظة. وفي رسم بياني أعدّه المركز عن الأشهر الستّة الأخيرة التي شهدت هزّات متواصلة، تبيّن أنّ النشاط الزلزالي الذي يعيش أوجه هذه الفترة لم يكن متقطّعاً، بل كان في حدود 20 أو 22 «طقطقة» ــــ كما يحلو لمدير المركز الوطني للجيوفيزياء اسكندر سرسق وصفها ــــ كلّ 20 يوماً، بمعدّل درجات تراوحت بين 1 و4,5 على مقياس ريختر. أمّا في التعداد الرسمي لعدد هذه الهزّات منذ شهر شباط الماضي وحتّى حزيران فقد تخطّت الـ800، وهي مرشّحة للتصاعد وقابلة للاستمرار في فترات لاحقة.
هذه «الطقطقات» التي تجبر حوالى 17 عائلة جنوبيّة على «نسيان» ما يسمّى منزلاً في صريفا، لن تكون حكراً على تلك المنطقة الجنوبيّة ومحيطها، إذ يلفت تابونييه إلى أنّ «الهزّات المقبلة المفترضة، وتلك المزعومة بقوّة 5,5 ستطال ربّما المناطق الساحليّة من صيدا إلى صور، وأيضاً في البقاع، حيث فالق اليمّونة». ولكن، من الجهة المقابلة، يؤكّد تابونييه «أنّ هذه المخاطر ليست استثنائية أو في الأفق القريب، واحتمال حدوث هزّات أرضية في المواقع التي عاشت هذه الظاهرة خلال الأسابيع الماضية يبقى احتمالاً قائماً، ولكن قوته لن تتجاوز 5,5 درجات في أسوأ الأحوال، وبالتالي لا يمكن تصنيفها ضمن الزلزال المدمّر». وبعيداً عن ذلك النشاط المستمرّ في هيجانه، يبقى السؤال الأهمّ «كيف نعيش في حالة الهوّات الدائمة؟ وهل المواطن في موقع مواجهة الهزّات المعتدلة؟».عند هذا السؤال، يعود اللبناني إلى خوفه لحظة يصطدم بإجراءات الدولة «التخفيفيّة» في هذا الإطار، فهنا العجز «غير المقصود» الذي يجعلنا في مواجهة تحدٍّ يفرض علينا أن نكون «كلّنا دفاعاً مدنياً في ظروف طارئة». وفي هذا الإطار، تكفّل المدير العام للدفاع المدني العميد درويش حبيقة «نبش» جهوزيّة الدولة في مثل هذه الحالات، لافتاً إلى «أنّ الدولة والدفاع المدني يفعلان ما بوسعه وفقاً للإمكانات المتوافرة». وإذ أسف حبيقة لضعف هذه الإمكانات التي تتبع في غالبيّة الحالات الميزانيّة المرصودة، رأى أنّ «كل شخص هو مشارك قبل الدفاع المدني نفسه». ولكن ثمّة ما يخيف حبيقة وهو طبيعة الأبنية الموجودة في المناطق المعرّضة للهزّات أكثر من غيرها، فهذه الأبنية لم تحظ بالعناية الكافية لحظة بنائها، بحيث لم يراع أصحابها والمهندسون المشرفون المعايير التي تتّخذ لتجنّب الكوارث الطبيعيّة. وأمام هذا الواقع، إذا ما حظي لبنان بشرف «هزّة مدمّرة»، فلن «يبقى من يخبر»، ولكن هذا الاحتمال «يبقى احتمالاً، لأنّ لبنان رغم وجوده في منطقة فالق الشرق الأوسط الخطر لن تصل هزّاته إلى التدمير».
من الجهة المقابلة، لفت سمير الخطيب باسم شركة خطيب وعلمي، إلى «أنّ الشركة تكشف، بالتعاون مع قيادة الجيش، على المنازل والمباني المتصدّعة في بعض المناطق، وقد أُخليت إلى الآن 17 عائلة... إلى الخيم». وقد أُلّفت لهذه الغاية أربع لجان من الجيش والشركة لاستكمال عمليّة الكشف، تضاف إليها اللجان التي ستُؤلّف من قيادة الجيش ووزارات الصحّة العامّة والشؤون الاجتماعيّة ومجلس الجنوب والمركز والدفاع المدني، والتي من المفترض أن تتقدّم بتقرير مفصّل عن إمكاناتها لوضعها في تصرّف قيادة الجيش من أجل المواجهة في حالة الطوارئ.
من جهةٍ ثانية، كان حمزة قد سجّل بعض المعطيات بناء للوقائع التي يتابعها المركز الوطني للجيوفيزياء، والتقارير الواردة من قرى قضائي صور والنبطيّة، ومنها أنّ الأزمة الزلزاليّة لا تزال مستمرّة ولكن بوتيرة أقلّ وهي قابلة للبقاء لفترة لاحقة. وأشار إلى أنّ احتمال حدوث هزّات أرضية في نفس الموقع لا يزال أيضاً قائماً ولكن القوّة لن تتجاوز الـ5,5 في أسوأ الأحوال ولا يمكن تصنيفها في خانة الهزات المدمّرة.
وتجنّباً لهذه الهزّات التي قد تحدث في أيّ وقت، دعا حمزة إلى ضرورة الاحتفاظ بجهوزيّة إدارات الدولة وأجهزتها، واتّخاذ الإجراءات الوقائيّة في حدّها الأدنى التي تتمثّل بالبناء المقاوم للهزّات الذي يحترم معايير السلامة وقوانين البناء في لبنان.