أنطوان سعدما يراهن عليه الطباخون في فريقي تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، في تصلبهم بالتعاطي مع حلفائهم المسيحيين لجهة الحصص الوزارية في الحكومة العتيدة، هو تراجع نسبة التأييد المسيحي لرئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون في الوسط المسيحي. وقد أسهم مسيحيو الأكثرية أنفسهم في الحال التي وصلوا إليها، بتأكيدهم في أكثر من مناسبة ومجلس أن حال التراجع عند العماد عون نهائية ولا رجوع عنها، حتى بات بالتالي أمر استرضائهم ودعمهم غير ضروري بالنسبة إلى هؤلاء الطباخين.
لقد تراجعت نسبة تأييد الجنرال عند المسيحيين بنسبة ملحوظة، حتى باتت ـــــ بحسب استطلاعات الرأي التي تجريها الشركات المتخصصة لمصلحة بعض قوى الموالاة والشخصيات المستقلة ـــــ تتراوح بين 33 و35 في المئة. ومرد هذا التراجع متشعب ولا يرتبط فقط بتحالف العماد عون مع حزب الله وتبديل خطابه من موضوع سلاحه، وإن كان هذا السبب يأتي في طليعة ما أضر في شعبيته.
واقع الحال إذاً، أن وضع الجنرال عون قبل أقل من عام على موعد العمليات الانتخابية متراجع بنسبة كبيرة وكثير البعد عن نسبة السبعين بالمئة التي قارب حدودها في الانتخابات التشريعية في ربيع 2005.
غير أن المقارنة المجدية لمعرفة وضع العماد عون انتخابياً في ربيع عام 2009، يجب أن تكون مع وضعه قبل عام من انتخابات سنة 2005، أي في ربيع 2004 الذي شهد إجراء انتخابات بلدية كانت نتائجها أقل من هزيلة للتيار الوطني الحر، فيما نال خصومه في الساحة المسيحية الذين كانوا يقاسمونه الظروف الأمنية والسياسية نفسها نتائج أفضل.
وحتى يوم عودة العماد ميشال عون إلى بيروت في السابع من أيار 2005، لم تكن الحشود التي تنتظره في ساحة الشهداء بالحجم الذي ينبئ بنتائج صناديق عمليات الانتخاب، فيما لم تعط استطلاعات الرأي نسباً ولو قريبة من النسبة التي حصدتها لوائحه في معظم المناطق ذات الأغلبية المسيحية. ولم يكتم قياديو التيار الوطني الحر مفاجأتهم أو صدمتهم بالنتائج، بعدما فضّل الجنرال في الأيام السابقة ترشيح أشخاص على آخرين، بحجة أن لديهم خمسمئة صوت أكثر من غيرهم!
لم تكن صدمة جماعة المعارضة القديمة أو الموالاة بعد الانتخابات من مسيحيين وغير مسيحيين أقل وقعاً. وكانوا بذلك، كما العماد عون وكوادره، مخطئين، باعتبارهم أن هذه النسبة الكبيرة من الأصوات تخص التيار الوطني الحر، وبتعاطيهم معها على هذا الأساس، في حين أنها في الواقع وسطية، أقرب ما تكون إلى الكنيسة المارونية التي لا طموحات سياسية لها أو مشاريع.
واليوم تقع الأكثرية مجدداً في الخطأ نفسه الذي وقعت فيه في ربيع سنة 2005، وهو وضع الصوت المسيحي في إطار معلب، عندما ظنّت أنها بتجميع عدد كبير من الرموز المسيحيين في لائحة واحدة سوف تضمن الفوز على لوائح الجنرال ميشال عون متكلة على وضعيته الشعبية في الانتخابات البلدية سنة 2004، كما هي تتكل اليوم على استطلاعات الرأي والهزائم المتلاحقة التي يمنى بها مرشحوه في الانتخابات النقابية والطلابية. غير أن ما لا ينبغي أن تنساه الأكثرية هو أن وضع الجنرال الشعبي اليوم أفضل بكثير مما كان عليه قبل عام من الانتخابات، وأن التيار الوطني الحر يتمتع، بخلاف تلك المرحلة، بحرية العمل السياسي، وأن هيكليته الإدارية والتنظيمية أفضل أيضاً، فضلاً عن أن له ثلاثة وزراء في الحكومة في مواقع أساسية، إضافة إلى اثنين من تكتل التغيير والإصلاح وستة من تحالف المعارضة.
لا ينبغي للأكثرية أن تطمئن إلى نتائج العمليات الانتخابية سنة 2009 إذا هي أصرت على التعامل مع حلفائها المسيحيين على الشكل الذي تتعاطى فيه معهم منذ نهاية انتخابات 2005 وتأليف حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي لم تلحظ لهم سوى وزارات غير مؤثرة على الاتجاهات السياسية والإدارية للبلاد، فيما احتفظ تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي بأكثر من نصف الوزارات المخصصة للمسيحيين.
كما أنه ينبغي لمسيحيي الأكثرية أن يتعظوا بالماضي وأن يتشددوا في مطالبتهم بحقائب أساسية بعدما أمضوا السنوات الثلاث الأخيرة يبررون لمناصريهم سبب حصولهم على عدد قليل من الوزارات بالإشارة إلى الظروف السياسية التي كانت سائدة في البلاد. وفي حال تمكنهم من الحصول على كل الوزارات التي يفترض أن تكون لهم، عليهم هذه المرة الاتعاظ برواية العواصف للأديب جبران خليل جبران، حيث حمل الخوري سمعان الشيطان الجريح إلى منزله ليطببه ويشفيه حتى يبقى لديه ما يخيف به رعيته في قداس يوم
الأحد.